- 1 -
في طور تحولي إلى حجر، أرقب المدى الشاسع ولا أتمنى أن أطير، يرعبني الارتفاع الشاهق! في آخر مرة حاولت الطيران، تدليت من يباس مثل وطواط كسر ضلعه الأيمن لم أهرول إلى الظلام، واكتفيت بالتحول إلى هلام على جدارٍ يفتح عينيه، سمكةٍ لا تعرف النوم. ها أنا في تجفافي البطيء أتحول إلى حجر «يحن إلى كل شيء»!
- 2 -
تتمدد ضآلتي مثل ظل يتطاول في الفراغ، وبعيداً عن لونه - الفراغ لا الظل - يستدرجني هذا الأخير الذي لا يجد شيئاً للعبث سواي. لم يعد أنيساً في وحدتي، لكنه صار علامةً لها، ذلك الظل الذي كان يوماً طويلاً وأسود! لا أحمل له خلف ظهري غير خيبة وتفاحة خضراء غضنتها وحشة الأيَّام ووجعها، أجفل مثل سنجاب يحلم للمرة الأولى، ويغمض عينيه بعدها محاولاً استدراج الحلم مستلذا بوجل اللحظة، التي تبدو كثيفة أحياناً مثل خيوط الصوف المتشابكة، وضحلة أحياناً أخرى مثل أثر ماء على كف، تلك اللحظة التي فرت من ساعة مخدوشة الوجه على حين غرة!
- 3 -
أرى أمي في حلم تشرب شايها من الإبريق الذي يشبه رجل الصفيح، بهدوء تحتسيه على مهل كأنها ترسم بين يديها خريطة جديدة للعالم، تجمع القارات في كتلة على هيئة مظلة أو بالونة، لا يهم... كلاهما قابلة للطيران والتحليق بنا، نحن الذين ما نزال على قيد الأرض، بأيامنا التي تنتظر «اليناع» بلهفة، ولا ينالها الفساد، نحلق في فسحة من السماء، في فضاء الوقت بين غبار النجوم وعزلة المجرات!
- 4 -
أطفو على بحيرة من الفوضى والخذلان والهلع. حين يركض هاروكي موراكامي ليحصل على الفراغ، أركض أنا في فراغ هذا العالم المتخم الذي أدور فيه، مثل هامستر يتدرب على عجلة في قفصه ويظل وزنه في ازدياد، فلا أيَّامي تخف وطأة ولا العالم يصبح برشاقة لاعبة باليه تقف على رؤوس أصابعها بهشاشة، تبري قدميها على رأس الكوكب الأملس. لماذا لم يستوقفه غناء حوريات أوليس مرة؟ لربما غيّر وجهته!
- 5 -
مع كل نقرة تنقرها أطراف الأصابع على صفحة الكتابة، ومع كل فكرة تجلب عناء النهار وضجر الليل وكفاح الأحلام وشحوب الانتظار، كل ذلك يجعل الخواء يحتلني ويحيلني إلى سروة هرمة مجوفة، منسأة تنتظرها دودة الأرض بشغف وبالونة مفرغة من الهواء والطموح، ما طموح البالونة يا ترى؟!
- 6 -
الفراغ ترف ورفاهة يحظى بهما كل ذي حظ عظيم، أما الخواء فعزاء الموجوعين بالفقد و»المتروكين جانباً»، على الأقل ها هم يحظون بشيء!
بثينة الإبراهيم - الكويت