تواجه الحركة النسوية ( فيمينزم) رفض ومقاومة في العادة باعتبارها دعوة لانسلاخ المرأة من القيم والثوابت وتخليها عن دورها المهم في الأسرة، في سبيل الظفر بحقوق فردية و»التمركز حول الأنثى»، بحسب مصطلح الدكتور عبد الوهاب المسيري. ويتم وسمها بذلك في معزل عن محاولة فهم واستيعاب طبيعة الأنثى في الظروف الطبيعية، وصعوبة تخليها عن دورها الفطري في الحياة عادة، ودون محاولة لفهم منطلقات هذه الحركة، ودوافع المرأة لسلكها، على أمل نيل حقوقها الإِنسانية التي من المفترض أن تعينها في زيادة فاعلية دورها في الأسرة وتحقيق تطلعها البشري في العيش في مجتمع تسوده الكرامة وديمقراطية الجدارة.
وتعد الحركة في جذر انطلاقتها وأطرها المقبولة دينيا بعيدا عن التشوهات التي طالتها ولحقت بها كما لحقت بالعديد من الحركات المماثلة، صيرورة طبيعية باتجاه نيل حقوق تكفلها الشرائع السماوية كما تكفلها الدساتير الوضعية، ونتاج وعي بهذه الحقوق ترافق مع عصر التنوير والتوجه لتعليم المرأة. وفي محاولة للوقوف على أبعاد (النسوية السعودية)، ودراسة مخرجاتها وانعكاساتها على الإبداع المحلي، ننطلق في هذا المقال بإلقاء نظرة على النسوية العالمية بشقيها الغربي والعربي، وفلسفتها.
النسوية كما في العديد من المصادر، حركة عالمية نشأت في القرن التاسع عشر في فرنسا وبريطانيا وأمريكا لتقويض التمييز القائم ضد المرأة وللعمل على انتزاع حقوقها مثل حق التعليم، والحصول على وظيفة وحق الإدلاء بالصوت الانتخابي وإنصافها مما لحق بها من ظلم وحرمان وإهانة، مع الحفاظ غالبا على التمايز بين خصائص الأنوثة والذكورة وما تفرضه من فروقات وظيفية. في محاولة لمناهضة الذكورية في معناها العام التي تمنح فئة ما حق السيطرة والتملك والتحكم ضد فئة أخرى على أساس من التفرقة الجنسية.
ويفرق المختصون بين مفهومي النسوية والنسائية، باعتبار النسائية هي ما تقوم به المرأة من أنشطة دون اعتبار للبعد الفكري والفلسفي، بينما النسوية تعبّر عن مضمون فلسفي فكري يتضمن رؤية تؤكد أهلية المرأة وكونها إِنسانا كاملا.
وقد نادت الحركة منذ انطلاقتها وحتى مطلع القرن العشرين بحقوق المرأة السياسية والاقتصادية والقانونية والمدنية. ولعبت الأمم المتحدة دورا في دعم الحركة حيث قامت في العام 1946م بإنشاء لجنة وضع المرأة للنهوض بها، كما عقدت العديد من المؤتمرات بخصوصها، حيث عقد أول مؤتمر عالمي بشأن المرأة في عام 1975م في المكسيك تحت عنوان: (المساواة والتنمية والسلم)، وسمي العام الذي عقد فيه بـ « العام العالمي للمرأة «، وأصبح يحتفل بـ 8 مارس باعتباره اليوم العالمي للمرأة، كما يحتفل باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 تشرين الثاني - نوفمبر.
تتالى بعده مؤتمرات منها: مؤتمر (القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة)، عام 1979 م. ومؤتمر «المساواة والتنمية والسلم»، في عام 1980م في كوبنهاغن ودعا برنامج العمل الذي خرج به المؤتمر إلى اتخاذ تدابير وطنية أقوى لضمان ملكية المرأة على ممتلكاتها، وإدخال تحسينات في مجال حقوق المرأة فيما يتعلق بالميراث وحضانة الأطفال وفقدان الجنسية. والمؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة عقد في أمريكا 1995م. والمؤتمر الخامس في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، عام 2000. وفي 2005م، عقد المؤتمر السادس في نيويورك أيضاً وما أعقبها في السنوات التالية من مؤتمرات.
ومن بين أبرز مطالب وأهداف الحركة النسوية المجمع عليها، تمكين المرأة اقتصادياً وسياسياً عبر السياسات الدولية والاهتمام بالدراسات النسوية، والعمل على تفعيل المنظمات النسوية غير الحكومية، وإدراج مطالب الحركة ضمن مصطلح جديد هو «النوع الاجتماعي»، أو ما عرف بالجندر أو الجنوسة. وترافقت النسوية مع نضال ضد الفقر والتهميش والعنصرية والحفاظ على البيئة، ويجدر الالتفات إلى توسع مفهوم النسوية العالمية وتحولها إلى مدارس ومذاهب متعددة بلغ بعضها حد التطرف والمطالبة بأمور منافية للفطرة، نجم ذلك عن تنوع البيئات التي نمت فيها والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أحاطت بها.
وقام التنظيم الدولي المعاصر على أسس داعمه للنسوية، وصيغت الصكوك والاتفاقات الدولية على مبادئها، كما نصت أهم وثيقتين وهما: الإعلان العالمي لحقوق الإِنسان (1948م)، الذي ينص على وجوب الالتزام بهذه المبادئ، ويؤكد على عدم التمييز على أساس الجنس، واتفاقية (سيداوcedaw ) أو (اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة) عام (1979م)، وهي اتفاقية مكونة من 30 مادة، وموادها الست عشرة الأولى تؤكد على عدم التمييز وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والأجور والملكية والعمل.
فيما ترافقت الحركة النسوية في العالم العربي والإسلامي مع حركات الكفاح ضد الاستعمار والمشاركة في الاستقلال مع دعوات لحصول المرأة على حق التعليم، وإعطائها الفرصة للمساهمة في التنمية، وتعديل القوانين المتصلة بالأحوال الشخصية وقضايا الزواج والطلاق.
شمس علي - الدمام