القيادي الإخواني د. فتحي يكن يناصر حزب الله وإيران بكل صراحة، وفخر وعلى النقيض من ذلك كان حزب الله يُؤيَّد جهاراً من قبل الشيخ د. فتحي يكن، وهو مفكر إخواني لبناني معروف وخطيب وزعيم سابق للجماعة الإسلامية اللبنانية. وفي عام 2005، شكَّل وقاد يكن حركة منافسة للجماعة الإسلامية تسمى بـ «جبهة العمل الإسلامي»، وهي ائتلاف لمجموعات سنية مركزها في طرابلس، معقل المعارضين السنة لعائلة الحريري(*) . وقال الشيخ يكن، إنه فخور بأنه حليف «لجميع الشعوب الحرة والشريفة في العالم»، بما في ذلك حماس وحزب الله وسوريا وإيران، وتركيا (بعد تأييدها لحماس في حرب غزة 2008-2009).(17) ونفى أيضاً اتهامات بأن القيادة الشيعية في حركة المقاومة ضد الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط تسعى إلى نشر التشيع(18). وفي 8 ديسمبر 2006، أَمَّ يكن، صلاة الجمعة للشيعة الذين كانوا يحاصرون مكاتب رئيس الوزراء فؤاد السنيورة التابع «لتحالف 14 آذار» (19). وتوفي يكن في 13 يونيو 2009.
أما موقف الفرع الأردني لجماعة الإخوان المسلمين تجاه إيران في السنوات الأخيرة، فقد عكس حقيقة أن الأردن محاصر من الغرب بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ومن الشرق بالصراع الطائفي بين الشيعة والسنة في العراق. وقد ناصر إخوان الأردن تقليدياً وجهة نظر إيران كقوة إسلامية حليفة لهم ومستهدفة ظلماً من قبل الغرب. وبسبب علاقات إخوان الأردن العميقة بحركة حماس، فقد قدروا وأشادوا بدعم إيران للفلسطينيين(20)، كما دعموا طموحات إيران النووية. وخلال حرب 2006، في لبنان، نظمت جماعة الإخوان الأردنية تظاهرات حاشدة دعماً لحزب الله، وبعد الحرب ساندوا معسكر المعارضة اللبنانية ضد حكومة «تحالف 14 آذار». وفي الوقت نفسه، دعم إخوان الأردن نظام صدام حسين، وأسفوا لانهياره، واتهموا إيران بتسهيل الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق فضلاً على محنة العراقيين السنة(21). كما عارضوا تماماً الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة، ودعموا التمرد السني والتمرد ضد الأغلبية الشيعية الصاعدة في العراق. كما نددوا مؤخراً بمطالبات إيران بالبحرين(22)، ووجهت صحيفة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن انتقادات حادة لسوء معاملة إيران لمواطنيها السنة(23). وكانت وجهات نظر الفرع العراقي لجماعة الإخوان المسلمين، والمعروف باسم «الحزب الإسلامي»، ناقدة كثيراً للتدخل الإيراني في بلدهم وللأغلبية الشيعية الجديدة في البلاد. وفي الوقت نفسه، كانوا قد شاركوا في العملية السياسية لمرحلة ما بعد صدام وحثوا مؤيديهم في وقت مبكر للانضمام إلى الجيش العراقي الجديد والشرطة. زعيمهم - طارق الهاشمي - شغل منصب نائب رئيس جمهورية العراق. والحجة وراء قرار الحزب الإسلامي المشاركة الكاملة في الحياة السياسية العراقية، بالرغم من هيمنة الشيعة وحالة الاحتلال، هو أن العراق وقع تحت احتلالين في وقت واحد: الأول، من أمريكا، والآخر، من قبل إيران والشيعة. واعتبر الحزب الإسلامي السني الاحتلال الإيراني-الشيعي خطيراً جداً ولذلك جادلوا بأنه من الضروري لأهل السنة الاندماج بعمق في مؤسسات الدولة من أجل الحد من هيمنة الشيعة. وحتى الآن، تستمر هذه السياسة، بالرغم من أن بعض الإسلامويين يرون أنها كانت تضفي الشرعية على الاحتلال الأمريكي(24). أخيراً، هناك تحالف شعبة الإخوان المعروفة بـ «حماس» مع إيران الذي تعود جذوره إلى حاجة إيران لعنصر فلسطيني قوي يعطيها فرصة للتدخل بفعالية في القية الفلسطينية (**)، وبالتالي، في الشؤون العربية. وقد استفادت حماس من هذه الحاجة الإيرانية. لكن حماس تجاوزت دورها كحليف لإيران؛ فقد صدرت عن زعيم حماس خالد مشعل، إيماءات قد تدل على أن حماس هي بالفعل تحت قيادة إيران. مشعل، على سبيل المثال، قال للبرلمان الإيراني إنه قدم تقريراً حول حرب غزة إلى «ولي أمر المسلمين»(***) المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي(25). في هذا التصريح وغيره، أضفى مشعل صدقية على ادعاء إيران أن حماس ليست حليفاً لإيران فحسب، وإنما صنيعة إيرانية بعدما زعم محمد أختري، الذي كان لسنوات رجل إيران في سوريا ولبنان، أن حماس (وكذلك الجهاد الإسلامي في فلسطين) تشكلتا بإلهام من الإمام الخميني وحركة المقاومة الإسلامية الإقليمية التي أسسها. وبناء على هذا المنطق، فإن المقاومة الإسلامية الفلسطينية، تماماً مثل حزب الله، هي ابن شرعي للجمهورية الإسلامية، كما يؤكد أختري (26). ولكن بشأن المسألة الشيعية، فمن الواضح الآن أن حماس، مثل جماعة الإخوان ككل، منقسمة. أثارت تصريحات مشعل بالولاء لإيران مخاوف داخل حماس بأنه يستعدي أنصار الحركة من العرب السنة. ونتيجة لذلك، .... .صرح - بوضوح - كبار قادة حماس في غزة أن حماس لا تعترف بخامنئي كولي أمر للمسلمين(27). وزعموا أيضاً أن هناك تياراً عروبياً/إسلامياً قوياً داخل حماس، وهو تيار مهتم بتعزيز الطابع السني للحركة وعلاقاتها القائمة مع دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية(28).
الجدل حول نشر التشيع ساعد نمو القوة الإيرانية في السنوات الأخيرة على تأجيج السجال الفكري والسياسي المتجذر تاريخياً بين بعض تيارات المذهبين السني والشيعي. وقد غذي هذا السجال بمخاوف شعبية بين بعض قطاعات السكان العرب السنة بأن إيران تحاول تحويل أهل السنة إلى المذهب الشيعي كوسيلة لتعزيز أجندتها السياسية للهيمنة الإقليمية. وقد وَلَّدَتْ هذه المخاوف قدراً كبيراً من الجدل داخل حركة الإخوان المسلمين والعالم السني بصفة عامة.
جماعة الإخوان المصرية قللت من شأن الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة وبطريقة ما، ساعدت جهود جماعة الإخوان المصرية في التقليل من شأن الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة في تعزيز روح الوحدة الإسلامية على جعل هذا الجدل الديني في العالم السني ممكناً؛ فعلى سبيل المثال، من خلال القول بهامشية الخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة، والقول إن إسلام الشيعة الاثني عشرية صحيح وأن التشيع الاثني عشري هو المذهب الخامس في الفقه الإسلامي، فإن عناصر من جماعة الإخوان المصرية وفرت موازنة أيديولوجية مضادة وفعّالة ضد الحملة الوهابية السلفية للطعن في الشيعة وذم إيران. ومع مرور الزمن، ساعدت هذه المبادرة الوحدوية الإخوانية أن تجعل من المقبول لأهل السنة ليس التوافق سياسياً مع إيران فحسب، ولكن أيضاً أن يتسامحوا ويتهاونوا مع التبشير الشيعي (أي نشر التشيع) بصفته مذهباً إسلامياً خامساً. وفي السجال بين أهل السنة بشأن إيران وظاهرة تحول بعض أهل السنة من المذهب السني إلى المذهب الشيعي، لم ينكر مناصرو إيران ولا خصومها بجدية أن التشيع أو التحول إلى المذهب الشيعي بين السكان السنة يحدث بالفعل. كما لم ينكروا أيضاً الخلافات العقائدية بين السنة والشيعة. وحذر خصوم إيران في العالم السني أن جهود إيران لنشر التشيع تشكل خطراً واضحاً وقائماً على المجتمعات العربية السنية، وسعوا إلى تأكيد أسس الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة. ولكن مناصري إيران من أهل السنة كالإخوان قللوا من أهمية وجدية جهود إيران لنشر التشيع، ووصفوا الخلافات العقدية بين السنة والشيعة بـ «التافهة». وقاد - إلى حد كبير - حملة الهجوم على نشر إيران للتشيع الشيخ د. يوسف القرضاوي، وهو عضو رفيع سابق في جماعة الإخوان المصرية وأحد أبرز منظريها والذي غالباً ما يوصف بأنه «المرشد الروحي» للإخوان. ويزعم القرضاوي أنه رفض عروضاً سابقة لتولي منصب المرشد العام للجماعة(29) لأنه يعد نفسه «مرشد الأمة» ككل(30). وبهذه الطريقة، فإنه في كثير من الأحيان يتنافس مباشرة مع القادة المصريين لجماعة الإخوان المسلمين على النفوذ داخل الحركة. لقد كان هذا التنافس داخل الإخوان بوضوح عاملاً مساهماً في انقسام الآراء داخل الحركة في ما يتعلق بالمسألة الشيعية والجدل الدائر حول التشيع. لقد التزم القرضاوي تقليدياً بنهج إسلامي وحدوي تجاه المسألة الشيعية. وكان طوال سنين مضت قد دعا إلى التارب بين حركات الإحياء السنية والشيعية، وجادل أنه في حين أن الخلافات بين السنة والشيعة موجودة حقاً، إلا أنها تتعلق بالمسائل «الفقهية» التي تعد ذات أهمية ثانوية مقارنة بالعقيدة(31). وخلال حرب لبنان عام 2006، كان القرضاوي مدافعاً قوياً عن حزب الله - وهو الموقف الذي عارض فيه فتاوى أصدرها علماء الوهابية السعودية التي نهت عن دعم تلك الميليشيا الشيعية. وقد دافع القرضاوي أيضاً عن حق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، وزعم أن قدرة إيران النووية لن تشكل تهديداً لأمن ومصالح دول الخليج العربية(32). ولكن بالرغم من هذا السجل المسكوني الحافل، أصبح القرضاوي من أشد المنتقدين لإيران والشيعة في صيف عام 2006، في أعقاب الحرب بين إسرائيل وحزب الله؛ ففي ذلك الوقت، شن القرضاوي هجوماً شرساً على الشيعة واتهمهم بمحاولة اختراق مصر والمجتمعات الأخرى ذات الأغلبية السنية وتحويل شعوبها إلى التشيع. ولاحقاً، أصبحت الدوافع وراء انقلاب موقف القرضاوي أكثر وضوحاً عندما أدان الشيعة لمحاولة استغلال ما اعتبر في المنطقة انتصاراً لحزب الله على إسرائيل لخدمة مصالح إيران السياسية(33). إضافة إلى ذلك، وللمرة الأولى، شجب القرضاوي الشيعة بسبب معتقداتهم وممارساتهم الدينية، مدعياً أن معظم الشيعة يعتقدون أن القرآن ناقص (أو محرف) ويتقربون إلى الله بسب أصحاب الرسول (ص). وفي مؤتمر لتعزيز المصالحة بين السنة والشيعة في العراق عقد في الدوحة في 20-22 يناير، 2007، كرر هجومه على جهود إيران لنشر التشيع في المنطقة(34). وقدم هجوماً مماثلاً في مقابلة مع الموقع العربي الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين المصرية في يوليو 2008(35)..
هوامش المترجم:
(*) وبعد تأسيس الدكتور يكن لتلك الجبهة المؤيدة لحزب الله وقيامه بشق وحدة الصف السني، اتخذت قيادة «الجماعة» قراراً نهائياً بفصل الدكتور يكن من التنظيم وإلغاء عضويته في مجلس شورى الجماعة. (العيسى).
(**) لكي تكسب وتتلاعب بالشارع العربي والإسلامي بالطبع، وهو الأمر الذي نجحت فيه بامتياز. (العيسى).
(***) ليس واضحاً من وصف خامنئي بـ «ولي أمر المسلمين»: خالد مشعل أم جريدة كيهان الإيرانية؟ لأنه من المحتمل جداً أن يكون الوصف من جريدة كيهان الإيرانية نفسها، التي نشرت مانشيت رئيس هكذا: «خالد مشعل يقدم تقريراً حول حرب غزة لولي أمر المسلمين»، وبذلك قد يكون الأمر التبس على قناة العربية، مع افتراض حسن النية بالطبع. طالع، على سبيل المثال، تعبير «ولي أمر المسلمين» وهو يتصدر موقع المرشد الأعلى آية الله العظمى علي خامئني:
يتبع ...
ترجمة وتعليق: حمد العيسى - المغرب
Hamad.aleisa@gmail.com
(العيسى). http://www.leader.ir/langs/ar/