أبدو على رهَقٍ وأستترُ
وبوحدتي أطفو وأنغمرُ
أجثو وراء الهمّ منكسرًا
وعلى يدي من هِمّتي كِسَرُ
لا صوتيَ المقرورُ يدفئه
صاغٍ، ولا الكلماتُ تنهمرُ
وجعي يكبّلني، يمزّقني
فأنا كَلِيمُ الروح منشطِرُ
شرّ الأسى ما لا يترجمُه
دمعٌ، ولا تندى به الفِقَرُ
شرُّ الأسى ما لا تبوحُ به
إلا وقلبُك واجفٌ حَذِرُ
منّي إلـيَّ، أدورُ في فلَكٍ
خاوٍ، فلا شمسٌ ولا قمرُ
ما في يديْ شيءٌ سوى قلمٍ
يهتاج منتحِبًا وينتحرُ
ما في يديْ شيءٌ، يُعذِّبني
عجزي، ويهتكُ صبريَ الضجرُ
***
ناديتُ أهلَ الشام، معتذرًا
يا رُبَّ عُذرٍ منه يُعتذرُ
ونصرتُهم بالحرفِ مشتعِلاً
والحُرُّ للأحرارِ ينتصرُ
إنا وإياكم سواسيَةٌ
أكبادُنا بالغمّ تنفطرُ
وعْدُ المروءةِ أن نكونَ لكم
رِدْءًا، وإن ضاقتْ بنا الخِيَرُ
مأساتُكم طافتْ بخيبتنا
شُهُبًا تروِّعُنا وتنصهِرُ
وبكلِّ زاويةٍ لكم حُلُمٌ
دبَّ المغولُ عليه والتتَرُ
قطعانُ ذُؤبانٍ ومَضْبَعةٍ
وغبارُها المسعورُ ينتشرُ
أكلتهم الأحقادُ فانقلبوا
خِلَقًا ينوءُ بنعتِها الخبرُ
***
من أيِّ أفلاقِ الضحى برزوا
وبأيِّ أغلاسِ الدجى انهمروا؟
القابضون الجمرَ ما وَجِعوا
والباذلون الروحَ ما ضجروا
جيلٌ من الغَيماتِ معتَجَنٌ
كالجنِّ دونَ مواعدٍ ظهروا
راياتُهم أرَجٌ تنشّقَه
بلدٌ توكّأ صدرَه البَهَرُ
نبويّةُ الأعراقِ كاسرةٌ
كسرى، وقيصرُ دونَها سَدِرُ
(ذو قارٍ) استعرتْ كتائبُها
و(القادسيةُ) سوف تستعرُ
وعلى فِجاجِ النورِ ملحمةٌ
خُطّتْ بها الآياتُ والسورُ
بَكَرَتْ لـ(بكريٍّ) يساجلُه
فيما يرومُ من العلا عمرُ
وعليٌّ انتصرتْ لعِترتِه
أممٌ تُعَظَّمُ عندها العِترُ
لا كالذين تهرَّروا وأبتْ
ترضاهمُ لقبيلِها الهِرَرُ
من ليس يبصرُ غيرَ سَحنتِه
ماذا يفيدُ عيونَه الحوَرُ؟
يبكي (الحسينَ) فكلُّ هِمَّتِه
لطْمٌ، ومُخُّ عظامِه (شَمِرُ)
أغوالُه في كلِّ زاويةٍ
الشرُّ والشنَآنُ والأشرُ
قصدوا دمشقَ المجدِ ثاكلةً
يتخافتون، ويجهَرُ البطَرُ
جاؤوا ليقتصّوا لذابحِها
منها، وفي أنفاسِهم قَتَرُ
لكنّهم راموا عُسيلتَها
فتَعَلْقَمَتْ وتشوّكَ الزَّهرُ
فَقَأتْ عيونَهمُ نصاعتُها
كالشمسِ تفقأ عينَ من نظروا
صُمٌّ سوى التأليهِ ما سمعوا
بُكْمٌ لغيرِ الزورِ ما حضروا
عُمْيٌ ولكنْ حين يندُبُهم
داعي الوقاحةِ (كلُّهم نظرُ)
***
زنزانةُ الطغيانِ حاشدةٌ
بالموتِ، نظرةُ قعرِها الشزَرُ
وعلى الأسيرِ -إن استكانَ لها-
تتآزرُ القضبانُ والجُدُرُ
لكنه إن يسْمُ معتنقًا
أحلامَه تضحكْ له الحُجَرُ
***
زمنٌ أعاليه أسافلُه
أشباحُه بشرٌ ولا بشرُ
أكلتْ سفالتُهم وخِسّتُهم
أرواحَهم، فوجودُهم صورُ
الصدقُ في أعرافهم سَفَهٌ
والنُّبلُ في ميثاقهم خوَرُ
يتدابرُ المعنى إذا نطقوا
وتئنّ أحرفُهم إذا نبَروا
جمدوا وبعضُ الجامدات إذا
ما حُرِّكتْ يبدو لها أثرُ
لكنّهم موتى وما دُفِنوا
ويثورُ غيظُ الأرضِ لو قُبِروا
الجمرُ تكويه صفاقتُهم
وبوخزِهم تتوجّعُ الإبَرُ
زمنٌ بلا زمنٍ، يكسِّره
بمعاولِ الخيباتِ منكسرُ
يتقهقرُ الأنفُ الحَمِيُّ به
عن وجهِه، ويُعَظَّم الدُّبُرُ
***
شبعَ الظلامُ وبات متّكئًا
وشدا بزيفِ مديحِه السَّمَرُ
والصبحُ طاوٍ هل بصُرتَ به؟
إني أراه هناك ينتظرُ
وله ابتكرتُ الحُلْمَ محتقِبًا
دَهَشًا، وروحُ الحلْمِ تُبتَكَرُ
إنّ الحدائقَ لا يُخيِّبُها
حَدْسٌ له يتهيّأ الشجرُ
ستَرِفُّ في أندائها، وعلى
أكتافِها سيُربِّتُ المطرُ
***
لا تطلبِ الأقدارَ متّضعًا
من كبريائك يولدُ القَدَرُ
الفجرُ يرقبُ نبضَ ساعته
عمّا صمودٍ سوف ينفجرُ
- عبدالله بن سليم الرشيد