(أحتاجُ إليكَ
وأهربُ منكَ
وأرحلُ بعدكَ من نفسي)*
لسنا وحدنا إذاً، أيتها النفس الظالمة لي وحدي، والمظلومة معي في كل حالاتي.. فهناكَ غيري وغيرك يعزفون الانطواء أغنيةً تتمدد على جراحٍ مداها يستطيل في دوائر العمر الذي ما انفكّ لغزاً حارت في خواتمه الأصابع المنصهرة بحرقة الناي.
في كتابه (جرجي زيدان في الميزان) يقول شوقي أبو خليل، نقداً ونقضاً لرواية (الأمين والمأمون) التي لا تزال – في تأملاتنا – آخذة مكانها كوثيقة روائية تتضمن خلاصة شهادات على عصر ذهبيّ ذهبَ بعقولنا إلى مشارف الحواف الحادّة فينا: (نهاية الرواية ونتيجتها – كما هي عادة جرجي – عقد لبهزاد الخيالي على ميمونة الخيالية، بعد مقتل الأمين، وبعد تسييرهما لأحداث الرواية. وخاتمة الرواية تعليق رأس الأمين على حائط بستان؛ فسُرَّ الفرسُ بهذه النتيجة الطيبة وقالوا: «على الباغي تدور الدوائر» وتزوج البطلان الخياليان بعد الانتقام لأبي مسلم الخراساني وجعفر البرمكي. فالرواية، إذاً، قصة خيالية نسجها جرجي زيدان حول شخصيتين أسطوريتين أدخل عليها بعض أحداث التاريخ العربي الإسلامي، لا كما هي في مصادرنا المعتمدة، بل كما أرادتها صليبيته وحقده ودسُّه). ص 194 الطبعة الأولى – دار الفكر بدمشق.
أعود إلى الأغنية:
(حررني
رفقاً
انصرني
ساعدني كي أهجرَ طَيفي)*
والطيفُ في اللغة: الجنون، والغضب، وقوس قزح وألوانه، وما يراه الشخصُ في النوم أو الخيال. ولستُ أدري ما الذي رأيته في أغنية عاطفية حتى أعادني إلى كتب مراجعات نقدية للتاريخ المكتوب – تخميناً - في روايات باتت بمثابة المشاع المعرفيّ عند الأكثرية العامة، بتصديق من طليعة النخبة المثقفة في مطلع عصرنا الحديث، وبتكريس تجاريّ نهمٍ من الناشرين المتواترين على إعادة طباعة ما يسمّى بسلاسل (روايات تاريخ الإسلام)، المقتبسة من بعضها لتحتسب من المصادر الكاشفة للمتواري عن الرصد التاريخي المباشر في أمّهات الكتب. ولستُ أعرف كيف أربط هذا بذاك بعد اختلاط هذه بتلك!
(وأنا إعصاركَ يعصفُ بي
يهدِرُ يقطفني من صيفي)*
الربط ليس مهنتي، ولا النقد ولا الخيال.. إنما هو التأمّل لا غير. بخاصة وأنا لستُ وحدي في هذه العودة التي تتسع باحتمال يضعنا بين الماضي والمستقبل في حاضر تتكالب عليه الاستشهادات بقراءات لخيالات صادمة صدئة لا مهرب من صداها المزعج إلا بصداع نقدها ونقيضها؛ أو بالاستماع إلى أغنية خفيفة من الطرب العاطفيّ الحديث:
(أمصيري أن أمشي
وغدي.. أمسٌ)*..؟!
* المقاطع الشعرية (المقوّسة): من أغنية (أحبك.. وبعد) لماجدة الرومي، كلمات الناصر وألحان د. عبد الرب إدريس.
- الرياض
ffnff69@hotmail.com