إن القصيدة التي تنبع من الوجدان، وتظل في إصرار على هذا النبع بشروطه الجغرافية والوجودية، لم تكن سوى فكرة.. أو خاطرة.. تدحرجت، واستمرت بالتدحرج، مثل كرة ثلج، حتى حملت جبالاً من الأفكار.. والخواطر.. والأشجان والصور.. والتعبيرات، وهي لا تزال تصنع سلاسل من الآمال أو الآلام كلما واصلت التدحرج.. باتجاه «الذات»، الذي منه المبتدأ، وإليه المصير.
وما كان الشاعر التونسي المعروف بـ أولاد أحمد، يبدأ قافلة القصيد بـ «أزعم»، ويختتمها بـ«أحسب»، إلا لأن الذي بين أمواج بحرهِ اللغوي، أصغر مما قيل، أو أكبر مما يقال، ففي نصهِ احتمال واعتذار، وليل وليلى، ونحوٌ وقهوة!!
عندما لا تجيئين
أزعم أنك جئت... ولم تجديني!
أقول:
غداً،
سأذوب بقهوتها
وأعوج على فمها
وأقول لها: سامحيني
وأبحث في النّحو عن سببٍ لأبّرر أمرين
مختلفين كأن:
لا تجيئي
وأحسب أنّك جئت.. ولم تجديني!
إن الذي لا يعتبر الغياب، مفتاح السماح المقدم، لإحضار ذاك الغائب، الذي لا تفتأ ملامحه، في نسج كل خيوط الحضور الضروري، هو لص لا عاشق.. وإن الذي لا يبادر في حمل مظالم الشوق، على كاهل الصدق في تجربته الفريدة فيه، الغنية به، السائدة فيمن سواه من العاشقين / المساكين، لم يتعلم بعد لماذا هو الشعر ؟! ولماذا كانت اللغة؟!
كانت وكانت «قهوتها»، صورة مرتسمة، بما لا يدع للبعد مكان، ولا زمان، ولكنّ الاحتراف الوجداني، أن لا ينسى العاشق «فمها» الذي يحترف الارتشاف، وهو يقتدي بها، أو بفمها، فتراه يحترف «الاعوجاج» عليه، أو فيه، أو به!!
عبدالرحمن البكري - مكة المكرمة