يسود لدى الكثير من الناس خلط واضح بين الحرية كثقافة، وبينها كقرار سياسي يرسم الملامح الديموقراطية في حياة الشعب، والحقيقة أن الحرية إن لم يتعامل الناس معها كمصطلح (ثقافي) ومفهوم لغوي له أبعاده الاجتماعية، ويشكلون به أسلوب حياتهم ونهجهم الفكري فلا يمكن أن تصبح الحرية في يوم من الأيام قراراً سياسياً، وإن حدث ذلك فإنها سوف تفشل فشلاً ذريعاً!
فالحرية التي تعتبر تحرراً من القيود التي تحاصر طاقات الإنسان وإبداعه وطريقة حياته ونتاجه الفكري قد أصبحت اليوم تشكِّل أزمة ثقافية كبيرة في الوطن العربي، هذه الأزمة جعلت هذا الحق الأصيل للإنسان يتضاءل ويتراجع من حيث الأطروحات والكتب التي تشرح مفهوم هذه الحرية وتبين حدودها، بل إن الحرية بحد ذاتها أصبحت تهمة لمن يتحدث عنها، فصار كل (مفكر) أو كاتب في الوطن العربي يخشى أن يتحدث عن هذا المفهوم أو مناقشة نظرياته ويمارس على أفكاره في هذا الشأن رقابة صارمة قبل أن تمارسها سلطة الرقابة في وزارات الثقافة وتخضع أطروحاته لـ (مقص) الرقيب و(فلتر) المراقب!
ذلك التضاؤل أدى إلى تراجع في الممارسة، قد يصل حد الانعدام التام لأي سلوك أو فكر يعبر عن حرية الفرد، تقول الدكتورة ريما خلف الهنيدي، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، في تصديرها لـ «تقرير التنمية الإنسانيّة العربيّة للعام 2004: نحو الحريّة في الوطن العربي»، حين قالت: «وقلَّ أن نجد خطاباً (في البلاد العربية) يتعرّض، مثل الخطاب المتصل بمسألة الحرية، لرقابة صارمة من قِبل السلطة، وغلوٍّ متشدّد في العقوبة، يدفع البعض لرقابة ذاتية مُكبِّلة للقول والفكر، وتتعاظم الصعوبات عندما يتسع تعريف الحرية ليشمل حرية المجتمع والمواطن، فيواجه قوى تتردّد في قبول التفكير المستقلّ، ولا تحتمل الرأي المخالف.» (1)
لقد كان تقرير التنمية الإنسانية يتحدث عن ربط التنمية الإنسانية بمفهوم الحرية، وفي ذات التقرير تم تعريف التنمية الإنسانية بأنها (تقديم خيارات أوسع للإنسان!) وذلك يوضح أن عملية تنمية الإنسان لا يمكن أن تتم بشكل صحيح طالما أن هناك قوى مهيمنة على حرية الإنسان، سواء كانت تلك القوى مادية أو معنوية، فالإنسان الحر، هو الإنسان الذي يستطيع أن ينجح ويقدم طاقته في سبيل خدمة المجتمع، فيكون أكثر فعالية وأكثر استطاعة على تحقيق مفاهيم أخرى تتمثل في الاندماج والتعايش وحب الوطن والعطاء والتفاني (كجزء) من أجل بقاء الكيان (الكل).
ولو طرحنا تساؤلاً عن سبب انعدام الحرية بمفهومها العام والشامل في الوطن العربي وعدنا للتنقيب عن إجابته، لوجدنا أن الشعوب العربية بعاداتها وتقاليدها وثقافتها المكتسبة من بيئات غير متمدنة في الأصل قد ساهمت بشكل مباشر في انعدام الحرية، كما أن الثقافة التي صبت في العقول عن طريق (التعليم) مثلاً لم تتح للدارسين الكثير من النماذج في (نمذجة) الأمور الثقافية والدينية والاجتماعية، بل قدمت الأمر في نموذج واحد جعل الاختلاف يبدو شاذاً عن الحقيقة، فتكونت مع الزمن خشية من الاستقلال الفكري، كما أن فطرة الإنسان العربي المرتبطة تلقائياً بالدين، والتي تسببت في ظهور (المتاجرين بالدين) والذين نصبوا أنفسهم ليكونوا أوصياء على الناس فيحددوا لهم سلوكهم ويفكروا بالنيابة عنهم، قد أدى كل هذا إلى الانعدام لوجود هذه الثقافة فكراً وممارسة!
ولو نظرنا إلى واقع الإنسان العربي اليوم لوجدنا أن العرب ما زالوا يمارسون كأفراد وليس كمؤسسات سلطة القمع والإقصاء على الفكر، فالكل يحاكم الكل على الأفكار، والأفكار تفسر كيفما اتفق وأنى شاءت الأهواء، وهذا ما أنتج لاحقاً ظهور من يكفرون الناس لمجرد اختلاف الأفكار!
** ** **
(1) صحيفة التجديد العربي، دراسة للدكتور علي القاسمي.
البريد الإلكتروني: aaa-am26@hotmail.com
تويتر: @AaaAm26
عادل بن مبارك الدوسري - الرياض