-أ-
أدخل الغابة السوداء بحثًا عن الأمتعة المفقودة. أتتبع ظلالها مرة، وأحمل مشعلاً يضيء بقعة محددة، ويغدو كل ما خلفي معتمًا تارة أخرى! في مشهد أرى جريتل تدفع بالساحرة إلى الفرن فلا يظهر منها سوى حذائها الذي يطل مثل رأس نقار الخشب! تكون أحذية الساحرات دومًا شنيعة، مرآة أخرى لأنوفهن أو نسخة مقلوبة من الأنف المعقوف. يرقص جعيدان حول النار غير مدرك أنه سيحترق عما قليل، فيما يحاول جاك تتبع أثر حبات الفاصولياء التي رمتها أمه من النافذة، وأزالت الضباب دون أن تعلم... الأمهات كلهن يفعلن ذلك من حيث يدرين أو لا يدرين. أعين كل هؤلاء على الانتقال من ضفة لأخرى بدأب نملة، أنزوي في ركني نصف المعتم؛ كي ألقي الكرات لجمع السكاكر وحبات الكعك، مكافأتي التي لم أكبر عليها يومًا. ما زلت أدخل الغابة السوداء لكني لم أعد أبحث عن الأمتعة المفقودة، وبينها ظلي، ولم أعد أشعر برغبة في حمل المشعل ولا في دخول الكهف أو تدوير دولاب الحظ لأحصل على جوهرتين، لكني أنزوي بكسلٍ شديدٍ، وأرى كراتي لجمع المزيد من حبات الكعك والسكاكر، بيأسٍ أشد هذه المرة، أستنزف كل طاقتي في فعل ذلك، وأكرر المحاولة تلو الأخرى مستحضرة سيزيف وصخرته الثقيلة وبينلوبي التي لا تكف عن الحياكة حتى يعود أوديسيوس، هل هذا يعني أني أتحول إلى أسطورة؟!
-ب-
الحرف الذي ابتدأت به الأبجدية لدي، بذراعين قصيرتين لا تكفيان لعناق، ونقطة علمتني إشارات الترقيم لأتجاوزها وأبعثرها هنا وهناك، النقطة التي أستنسخها بسخاء، لأوحي أن لدي دومًا ما أقوله. الحرف الذي يشكل المنطقة الوسطى في أضلاع المثلث، والطرف الثاني لأي قطعة مستقيمة في دروس الهندسة المملة، لينبّه الآخرين الذين لا يعيرون تلويحاتي الضائعة - بأني هنا - انتباهًا. الحرف الذي لا يقبل التدوير كي لا يتحول إلى نون، الهلال الذي أتأرجح عليه مطمئنة لوجود النجمة تحته لأني أخاف من المرتفعات. وجهي «يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا»!
-ج-
ليس لليل هوية واضحة! يغير الليل وجهه كل ليلة، يباغتنا بأرق، بكابوس، بحلم جميل (شحيح)، ولا يكترث بنا. ما زال يصر على مفاجأتنا بالصورة القديمة نفسها، وما زلنا ندهش من كل ما يأتينا به، كما ندهش في كل مرة يخرج فيها الحاوي أرنبًا من قبعته، فرحين بدهشة «اللحظات المكررة»، دون أن ينتبه أحدنا أننا نحفر التراب برفشنا الصدئ لنغطي صديد أصابعنا وخيباتنا التي تنمو أسرع من حبات الفول في طبق القطن!
-د-
للمرة الألف:
طوبى للصامتين حين يغدو الكلام مجرد.. رفاهية!!
بثينة الإبراهيم - الكويت