ما إن يختتم المذيع تلاوة (الأوامر الملكية) التي شملت تعييناتٍ وإعفاءاتٍ جديدة حتى تشرع (وسائل التواصل الاجتماعي) بالتحليل والنقد، ويتهيأ الجميع للتعبير عن آرائهم في هذه التغييرات، ينتقدون الماضي، ويستشرفون المستقبل، كلٌّ حسب توجُّهه وما يعتقده ويؤمن به، دون النظر إلى أي سياقاتٍ أو اعتباراتٍ أخرى.
والمتأمل في هذه الآراء والتحليلات يلحظ أنها تأخذ مسارين اثنين، بين مؤيدٍ ومعارض، بين راضٍ وغير راض، بين متفائلٍ ومتشائم، بين مشيدٍ بحكمة القرارات ودقتها وآخر يرى أنها جانبت الصواب، وكان الأولى غيرها. وفريقٌ ثالثٌ يكتفي بالدعوات والابتهالات، وقليلٌ ما هم. بيد أنَّ الإشكال هنا ليس في إبراز الموقف والرأي؛ فللجميع الحقُّ في ذلك، غير أنَّ الناظر في أغلب هذه الآراء يلحظ أنها لا تنطلق من اعتباراتٍ علمية أو منطقية، ولا تعتمد على معايير معرفية حقيقية، تسهم في قبولها والاقتناع بها، وإنما هي مجرد آراء تحكمها العاطفة، وأهواء تتلاعب بها التوجُّهات، ولا تملك إزاءها إلا أن تعجب منها عجباً قد يزول بعضه حين تدرك أنَّ أصحابها قد عرفوا مسبقاً أنَّ مثل هذه الوسائل التواصلية يمكن استخدامها في الصعود إلى عالم الشهرة، وأنه لا مانع لديهم من فعل أي شيء لتحقيق هذه المآرب. فمَنْ قدر على تأليف كتابٍ، نفدت طبعاته في أول يوم من صدوره، لن يعجز عن إبداء رأيه في (قرارٍ ملكي)!
إنَّ كلَّ ما أدعو إليه هنا أن تكون المواقف والآراء والانتقادات مبنية على أساس علمي، ومنطلقة من معرفة كاملة ووعي تام، وحينها فقط يمكن قبول هذه الآراء. ليس هذا فحسب، بل الاستفادة منها ومراعاتها والتنبه إليها في مستقبل الأيام؛ لذا أقترح في هذا السياق أن يقوم (التلفزيون السعودي) ممثلاً بقناته الأولى الرسمية بعمل مقابلاتٍ تلفزيونية دورية حية على الهواء مباشرة مع الوزراء والمسؤولين؛ إذ تُعقد مقابلة كل 3 أو 4 أشهر، حتى 6 أشهر على أكثر تقدير، يتحدَّث فيها المسؤول عن إنجازاته خلال الفترة الماضية، وعن جوانب القوة والقصور التي يراها في مؤسسته، وأهم الصعوبات والمعوقات التي تواجهها، كما يمكنه أن يُقدِّم الوعود كيفما شاء شرط أن يُدوِّن المذيع ذلك حتى يصغي الجميع لما وفى به منها في المقابلة القريبة القادمة، مع ملاحظة أن يلتزم المسؤول بالحضور إلى هذه المقابلة وعدِّها من أولويات عمله.
إنَّ هذا البرنامج التلفزيوني الدوري المباشر يحقِّق عدداً من الأمور المطلوبة على مستوى المجتمع، منها أن يتعرَّف الناس على وزيرهم أو مسؤولهم الجديد شكلاً وأسلوباً وثقافة وتفكيراً، ومنها أن يدركوا المسؤوليات المناطة بالوزارة، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، ومنها أن يعرف المجتمع الإنجازات التي حققتها الوزارة خلال الأشهر الفائتة؛ كي يمكنهم تقييم عمله. كما يمكن أن يقوم البرنامج بإيصال مشكلات المواطنين إلى المسؤول حتى دون بثِّها، وأن ينقل أمانيهم واقتراحاتهم وانتقاداتهم إليه؛ كي يفيد منها في مستقبل الأيام.
وكما يسهم هذا البرنامج في تفعيل قناته الرسمية التي (تحتضر) منذ سنوات فهو أيضاً يضع المسؤول أمام مسؤوليته الحقيقية، كاشفاً أوراقه للمجتمع الذي سيمكنه أن يقيمه بعد الاستماع إليه والنظر في منجزاته. وهنا فقط يمكن إعطاء رؤية تقييمية لعمله حين يُعفى أو يُجَّدد له أو يُعيَّن في منصبٍ آخر. أما إطلاق الوعود والتقاط (الفلاشات) والعزف على أي نوعٍ من الأوتار التي يحب أن يصغي إليها الفئة الغالبة في المجتمع فهي أمور لا تنفع ولا تجدي. المنجز الملموس الحقيقي هو وحده فقط من يحدِّد قيمة المسؤول، وهو الذي سيمكِّن أصحابنا المحللين في وسائل التواصل الاجتماعي من تقييمه تقييماً علمياً دقيقاً.
- الرياض
omar1401@gmail.com