أقامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) بمقرها في القاهرة حفلاً بمناسبة يوم المخطوط العربي كما تم تكريم الدكتور عبدالله عبدالرحيم عسيلان رئيس مجلس الامناء لمركز الملك عبد الله لخدمة اللغة العربية ورئيس نادي المدينة المنورة الأدبي بمناسبة اختياره شخصية العام التراثية لهذا العام.
وافتتح الحفل بالقرآن الكريم ثم كلمة مدير المنظمة الدكتور عبد الله بن حمد المحارب أشاد فيها بالاهتمام الذي توليه المنظمة ليوم المخطوط العربي لما يحمله بين جنبيه، حيث يحوي كل العلوم والمعارف التي أنتجها العقل العربي والإسلامي.
كما ألقى المحتفى به والشخصية المكرمة الدكتور عبد الله عسيلان كلمة شكر فيها القائمين على المركز على جهودهم ثم سرد رحلته مع المخطوط لمدة تزيد على أربعين عاماً أصدر خلالها العديد من الكتب المحققة إضافة إلى كتابة الفريد المميز تحقيق المخطوطات، كما تحدث في الندوة الدكتور محمد المشوح واستعرض بعض مسيرة الدكتور عسيلان العلمية والأدبية وجهوده في ذلك والمكانة العلمية التي يحظى بها.
ثم قدّم الدكتور خالد فهمي بحثاً عن كتب ودراسات الدكتور عسيلان فيما يلي عرض له.
(أ) المنجز.
يتوزع منجزه العلمي على عدد من المسارات المختصة بعلوم العربية والتاريخ، ومن الممكن تقسيمها كما يلي:
أولاً- مسار الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية.
وله في هذا المجال عدد من الدراسات المعتبرة من مثل:
1- التطور البلاغي لمبحث الفصل والوصل.
2- حماسة أبي تمام وشروحها: دراسة وتحليل.
3- بحوث ودراسات في الأدب والنقد.
4- معجم شعراء الحماسة.
5- كتاب البديع لابن المعتز: دراسة وتحليل.
ثانياً- مسار الدراسات التاريخية والحضارية.
وله في هذا المجال بعض الدراسات من مثل:
- المصادر العلمية لمعالم المدينة المنورة: قديمًا وحديثًا، سنة 2014م.
ثالثاً- مسار التنظير لعلم تحقيق النصوص التراثية.
وله في هذا الحقل:
1- تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل، ط11، سنة 1994م.
2- محاضرات في أصول التحقيق.
رابعاً- مسار تحقيق النصوص التراثية.
وهذا هو الحقل الذي عُرف به، وشغل مساحة كبيرة من جغرافية منجزه، وتتوزع النصوص التراثية التي حققها على الحقول المعرفية التالية:
1- الأدب، وحقق من نصوصه:
أ- البديع في وصف الربيع، لابن عامر بن حبيب الحميرى ت440هـ.
ب- كتاب التطفيل، للخطيب البغدادي، ت463هـ.
ج- حماسة أبي تمام سنة 231هـ.
د- كتاب معاني أبيات الحماسة، لأبي عبدالله النمري ت 385هـ.
هـ- حسن الصحابة في شرح أشعار الصحابة، لجابي زاده علي فهمي (دارة الملك عبدالعزيز، رقم 306).
2- التاريخ، وحقق من نصوصه:
أ- كتاب أخبار أبي حفص عمر بن عبد العزيز، للآجري.
ب- تسهيل فيما جاء في ذكر الخيل، لعثمان بن بشر (دارة الملك عبدالعزيز رقم 278، ضمن سلسة مصادر تاريخ الجزيرة العربية، المخطوطة 90).
ج- كتاب الاجتهاد في طلب الجهاد، لابن كثير الدمشقي، ت 774هـ (طبعة مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة 1401هـ-1981م).
(ب) الانتماءات المعرفية للمنجز وخصائصه
يتضح من تحليل هذا المنجز عدد من العلامات التي تكشف عن الانتماءات المعرفية التي يتحرك في ظلالها الدكتور عبدالله بن عبدالرحيم عسيلان، وهي الانتماءات المعرفية «الأدبية» بالمفهوم الواسع لمصطلح الأدب الذي يضم الكتابات الأدبية: الشعرية والنثرية، والتاريخية، والحضارية، واللغوية.
وهذا المفهوم قديم في التراث العربي، نراه ماثلا في تسمية كتب تاريخية ونحوية مستعملة مصطلحي الأدب والأدباء بدلالته الموسع.
ويتميز منجز الدكتور عسيلان بعدد ظاهر من الموائز يمكن رصدها في الملامح التالية:
أولاً- الوفاء للمفهوم التراثي للأدب، وهو نوع انتماء معرفي أصيل كاشف عن حدود حركة عقل الرجل، وهو ما عكسه تنوع انتماءات النصوص التراثية التي نهض بعبء تحقيقها؛ حيث توزعت على النصوص الأدبية؛ شعراً ونثراً، والتاريخية، المختصة بسير الأفراد، أو ببعض الموضوعات، والحضارية، واللغوية.
ثانياً- التنوع الزمني للنصوص المحققة، ذلك أن مراجعة تاريخ وفيات المؤلفين والمصنفين للنصوص التي حققها تكشف عن هذا الامتداد الزمني الذي امتد على مساحة قرون كاملة.
ثالثاً- التنوع المكاني للنصوص المحققة؛ حيث توزع جغرافية إنجازها لتشغل المشرق والمغرب معًا، وهو خضوع واعٍ لمفهوم وحدة الأمة وتأثيره الإيجابي في هذا الحقل.
رابعاً- الاعتبار بقيمة النصوص المختارة في الغالب (تحكيم معيار اختيار النصوص).
إن اختيار النص لتحقيقه واحد من المعايير المهمة في حقل تحقيق النصوص، وهو ما نلحظه في عدد من النصوص التي حققها الدكتور عسيلان، ولعل مراجعة أسماء أبي تمام سنة 231هـ صاحب الحماسة، والخطيب البغدادي، ت 463هـ صاحب كتاب التطفيل، والحافظ ابن كثير الدمشقى ت 774هـ صاحب كتاب الاجتهاد في طلب الجهاد- كاشفة عن وعي المحقق بهذا المعيار المهم من معايير انتخاب النصوص التي نهض بتحقيقها بعد تعيينها واختيارها.
خامساً- نشر نصوص سبق نشرها بلا مسوغ من وجود نسخ جديدة تضيف، أو خدمة معتبرة على محور قراءة النص، ومعالجته على ما ظهر من عمله في كتاب:
- الاجتهاد في طلب الجهاد، لابن كثير الدمشقي ت 774هـ؛ فقد اعتمد نسخة دار الكتب المصرية المنسوخة 784هـ، وهي ذات النسخة المعتمدة في طبعة القاهرة سنة 1347هـ، بعناية محمود حسن ربيع، وعلي حسن البولاقي، وعلي إسماعيل الملاوي. وما صنعه الدكتور عسيلان هنا يخالف ما ذهب إليه من ضرورة وجود مسوغات لإعادة تحقيق ما صدر من قبل، كما يقرر في كتابه: تحقيق المخطوطات (ص72-76).
ولم يكن سكوته هذا منهجًا مطردا؛ فقد قدم مسوغات لإعادة تحقيقه كتاب:
- البديع في وصف الربيع، للإشبيلي ت 440هـ، عن ذات النسخة التي اعتمدها: هنري بيريس في نشرته السابقة سنة 1359هـ- 1940م، وهي النسخة المحفوظة بمكتبة دير الإسكوريال، بأسبانيا، وتلخصت مسوغات إعادة التحقيق في:
1- عدم تخريج النصوص الشعرية والنثرية التي في الكتاب.
2- عدم الترجمة للأعلام الواردة في نص الكتاب.
3- امتلاء النص بأخطاء التصحيف والتحريف.
4- التصرف في النص بالزيادة من دون تنبيه.
5- النقص الواقع في (الفهارس) أو الكشافات.
وهو هنا متسق مع ما ورد في حديثه الجيد عن مسوغات إعادة التحقيق في كتابه: تحقيق المخطوطات (ص72-76).
وفي هذا المدخل الذي أخلص لبيان حدود منجز الدكتور عبدالله بن عبدالرحيم عسيلان- يظهر أنه من المحققين الذين عنوا بهذا الحقل عناية طيبة.
(1) منجز الدكتور عسيلان في التنظير لعلم تحقيق النصوص التراثية.
أنجز الدكتور عبدالله بن عبدالرحيم عسيلان كتابه: تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل، وصدر عن مكتبة الملك فهد الوطنية، بالرياض، سنة 1415هـ-1994م، في 343 صفحة.
(1 -1) مادة الكتاب وبناؤه.
جاء الكتاب في قسمين هما:
أ- واقع التحقيق.
ب- النهج الأمثل (للتحقيق).
وهذه القسمة الثنائية بدت مقصودة من المؤلِّف من عنوان كتابه.
وقد توزعت مادة الكتاب كما يلي:
- المقدمة: وتضمنت كلمة عن بدء تعلقه بعالم المخطوطات (رحلتي مع المخطوطات) -وآفاق تراثنا وأهميته- وتحرير مصطلح التحقيق - وصفات المحقق).
- القسم الأول: واقع التحقيق، وعالج فيه عددا من العلامات التي صبت جميعا في ما يراه مآخذ ومثالب يتورط فيها نفر من العاملين في حقل تحقيق النصوص التراثية، وقد أجمل هذه المآخذ في ما يلي:
(التهاون في البحث عن النسخ - وفشو الأخطاء والتصحيفات والتحريفات - والتصرف بالزيادة والنقص - والتصرف في عنوانات الكتب وإهمال تحقيقها - والإسراف في التعليقات والهوامش (الحواشي) - والخلط في نسبة الكتب - وانتزاع بعض الأبواب ونشرها مستقلة - وتخريج النصوص من مصادر ثانوية - وإعادة نشر ما طبع قديمًا مع إدعاء تحقيقه - والمجافاة لمقتضى التحقيق - والإهمال في الدراسة؛ دراسة النص (في المكملات) - والإفراط والتفريط في صنع الكشافات (الفهارس) - وملامح من نهج التحقيق لدى: أحمد زكي باشا - ومحمد محيي الدين عبد الحميد - وأحمد محمد شاكر - ومحمود محمد شاكر - وعبدالسلام محمد هارون - وعبدالعزيز الميمني الراجكوتي - ومحمد أبو الفضل إبراهيم - والسيد أحمد صقر - ثم واقع تحقيق المخطوطات لدى المستشرقين).
- القسم الأخير (الثاني): النهج الأمثل للتحقيق، وتضمن سبعة مباحث أوردها وفق مراحل العمل في حقل التحقيق، وهي كما يلي:
1- مرحلة اختيار النسخ المعتمدة، ودراستها.
2- مرحلة نسخ المخطوطة.
3- مرحلة المقابلة.
4- مرحلة التصحيح وتحرير النص وتقويمه.
5- مرحلة التعليقات وتخريج النصوص.
6- مرحلة مقدمة التحقيق.
7- مرحلة الفهارس (الكشافات).
ثم ألحق بكتابه تسعة ملاحق تتعلق بعدد من مسائله الداخلية وهي:
1- ملحق التصحيف والتحريف.
2- نموذج لتصحيح بعض التحريفات.
3- ألفاظ متقاربة في الخط.
4- من طرائق الكتابة والرسم القديمة.
5- علامات الترقيم.
6- السماعات ونماذجها.
7- المصادر المساعدة في الإرشاد إلى المخطوطات.
8- بيان بأسماء بعض فهارس المؤلفين والكتب.
9- المراجع المختصة بفن تحقيق المخطوطات.
(1 -2) بناء الكتاب.
وبناء الكتاب وفق هذا التصميم مقبول، ولا سيما أنه تذرع بما رآه مثالب فرط من نفر كثيرين يشتغلون بالتحقيق، فجعل معالجتها مقدمة لما رآه نهجًا أمثل في التحقيق.
وتقسيم مباحث القسم الأخير على مراحل العمل في حقل التحقيق يبدو ترتيبًا تعليميًّا يستهدف غايات عملية تطبيقية، وهو أمر له ما يسوغه في نظريات التأليف وتصميم الكتب، ولكن ثمة ملاحظ على هذا التصميم أو البناء، يمكن إجمالها في ما يلي:
أولاً- يظهر أن أول عمليات التحقيق يتجلى في مرحلة (اختيار النص) الذي سيكون مشغلة التحقيق، وليس مرحلة (اختيار النسخ) فهذه عملية تالية لتعيين النص.
وقضية (اختيار النص) قضية جليلة قلَّ من اعتنى بها، وتوقف أمامها بالفحص، والدراسة، وتعيين الضوابط والمعايير.
صحيح أن الدكتور عسيلان عين معيارين حاكمين لهذه العملية هما:
أ- قيمة النص ( تاريخياً - علمياً).
ب- عدم سبق نشر النص.
ولكنهما جاء في سياق أهدر تثمين مبدأ اختيار النص بما هو مرحلة تأسيسية، وقد أمكن تعيين هذه المعايير في ما يلي:
1- ريادة النص وأوليته وارتفاع قيمته (معيا ر القيمة العلمية)، وهي القيمة التي يكشف عنها:
أ- موضوعه.
ب- غرضه ومقاصده.
ج- شهرة مؤلفه.
د- زمانه.
هـ- نوعه التصنيفي (أصل - مختصر).
وتعيين القيمة في النهاية مرتهن في الحقيقة بمستوى المسؤولية العلمية للمحقق.
1- وعدم سبق نشر النص محققا تحقيقا علميا متقنا وافيا.
وهذه العملية تحصل في النفس بمجموعة من المسالك يمكن إجمالها في:
1- تدعيم المسؤولية العلمية في تكوين المحققين.
2- تعميق المعرفة بأصول التخصص العلمي، وفروعه.
3- متابعة ما ينشر من تحقيقات في حقل الاختصاص.
4- متابعة ما ينشر من فهارس المخطوطات، ولا سيما المخطوطات الأصول، وفهارس المخطوطات التي وصلت إلينا بخطوط مؤلفيها.
5- متابعة الدوريات المعنية بنشر نقد الكتب المحققة.
6- تأمل صنيع جيل المحققين الرواد لاستخراج معاييرهم في الاختيار.
7- طول الصحبة لأعمال التحقيق، ولا سيما في حقول ميدانية، كالمكتبات، والمراكز، ودور النشر، والجامعات.
أ. د. خالد فهمى - كلية الآداب - جامعة المنوفية