تقديم المترجم:
نشر موقع بي بي سي أنلاين في 2 مارس 2015 الخبر التالي:
بيل غيتس يحتفظ بصدارة قائمة أغنى أغنياء العالم
تصدر مؤسس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، من جديد القائمة السنوية التي تصدرها مجلة فوربس لأغنى أغنياء العالم ليحل في المركز الأول للمرة الـ 16 متفوقا على رجل الأعمال المكسيكي كارلوس سليم. وارتفعت ثروة غيتس الصافية بما يزيد على 3 مليارات دولار خلال العام حتى 13 فبراير لتصل إلى 79 مليار دولار.
بيل غيتس... الوجه الآخر
أستطيع أن أجزم أن كل إنسان على سطح البسيطة يستعمل الكمبيوتر يعرف بيل غيتسBill Gates . لا شك لدي أنه يعرف غيتس رجل الأعمال الناجح، والعبقري والمبتكر في مجال تقنية المعلومات، والذي يعتبر المفجر الفعلي لثورة الكمبيوتر الشخصي في العالم.
وكما أسلفنا، وبحسب تصنيف مجلة فوربس (Forbes) الأمريكية لعام 2015، يعتبر غيتس أغنى رجل في العالم حيث تبلغ ثروته حالياً 79 مليار دولار. يرأس غيتس مجلس إدارة شركة مايكروسوفت Microsoft التي يعمل فيها 128,000 موظف وموظفة تقريباً. وفي عام 2014، بلغ دخلها 87 مليار دولار.
كل ما سبق معلوم بالضرورة، ولكننا نقدم هنا نصاً لحوار مثير يكشف عن الوجه الآخر لـ غيتس. ونعني بذلك غيتس الإنسان الكريم والنبيل، وصاحب القلب الكبير، وذو الإحساس المرهف بمعاناة المرضى في أفريقيا والهند والدول الفقيرة كافة بغض النظر عن الدين أو العرق أو السياسة. وسنعرف من هذا الحوار المبلغ المدهش الذي خصصه غيتس من ثروته الضخمة (95% من ثروته) لأجل الأعمال الخيرية وما تركه لعائلته (5% فقط من ثروته) ، وكذلك نقده اللاذع لتخاذل الدول الكبرى عن القيام بواجبها تجاه الدول الفقيرة.
أجرى الحوار الصحفي والمذيع الأمريكي اللامع بيل مويرز (Bill Moyers) في قناة «خدمة البث العام» (PBS) الأمريكية المستقلة.
ولد بيل غيتس في 28 أكتوبر 1955، في مدينة سياتل، ولاية واشنطن الأمريكية. كانت عائلته من الطبقة المتوسطة، فوالده كان محامياً، ووالدته كانت مُدرسة ورئيسة جمعية خيرية. كما أن له أختين.
وكان غيتس متفوقاً في الدراسة وبخاصة في الرياضيات والعلوم. وفي خريف 1973، دخل غيتس جامعة هارفارد العريقة لدراسة القانون. وفي نوفمبر 1975، انسحب غيتس من جامعة هارفارد (Dropped Out) أي أنه لم يكمل تعليمه الجامعي.
تزوج غيتس ميلندا فرنش (Melinda French) في يناير 1994، وأنجبا ثلاثة أطفال. وفي عام 2000، أسس غيتس وزوجته «مؤسسة بيل وميلندا غيتس الخيرية». وأعلن غيتس أنه سيخصص معظم ثروته للمؤسسة الخيرية. وتقدم المؤسسة أمولاً لأهداف عديدة أهمها: المنحات الدراسية، وأبحاث معالجة مرض الإيدز، ومكافحة الأمراض في العالم الثالث، وغيرها من المسائل المتعلقة بالصحة.
وفي يونيو 2006، أعلن غيتس أنه سيترك متابعة مهامه اليومية العديدة في مايكروسوفت في يوليو 2008، ليخصص معظم وقته لمتابعة أعمال مؤسسته الخيرية، لكنه سيبقى رئيساً لمجلس الإدارة فحسب.
وفي ما يلي نص الحوار مع رجاء ملاحظة أن جميع الهوامش والتعليقات التي بين (مزدوجين) هي للمترجم.
بيل مويرز يحاور بيل غيتس
مويرز: عندما سمعت لأول مرة أنكما (بيل وميلندا) سوف تقومان بالتبرع بمليارات الدولارات من أجل الصحة العالمية شعرت بالحيرة. أقصد أنه لا يمكن لأحد أن يشك في أنك تعلم كل شيء يمكن معرفته في تكنولوجيا المعلومات، ولكن الصحة العالمية؟! وقلت متأملاً: ها هنا رجل يملك السلطة والامتيازات، وكل ما يمكن أن يحتاجه من متعة وراحة متوافرة لديه. فكيف يمكن له – بأية حال – أن يتمكن من رؤية العالم من خلال عيون امرأة فقيرة مع فيروس نقص المناعة المكتسبة في الهند، أو طفل يعاني من المجاعة في موزمبيق؟ كيف يمكنه – بأية حال – أن يفهم طريقة رؤيتهم للعالم حتى لا يكون ما فعله مجرد هواية رجل غني؟
غيتس: من المؤكد أنني لن أقدر أبداً على وضع نفسي في حالة هؤلاء الناس الذين ينشؤون في البلدان الأقل نمواً. لقد تولد لدي قليل من الإحساس بذلك من الذهاب إلى هناك والاجتماع مع هؤلاء الناس والتحدث معهم. وأحد السادة الذين التقيت معهم كان يعاني من الإيدز، وتحدث عن كيف أنه تم طرده من حيث كان يعيش، وكيف شعر بالفظاعة نظراً إلى أنه نقله لزوجته، ونضاله من أجل التأكد من أن طفلهما لم يصب، وموضوع وصمة العار التي من الصعب تفهمها. في هذا البلد (أمريكا) عندما تمرض يساعدك الناس في الغالب، وكما تعرف، هذا هو الوقت لمساعدة أناس آخرين، ولكن في بعض هذه الأمراض، الأمر على العكس تماماً.
ولذلك، ما فكرت فيه هو: أين يمكن لثروتي أن تكون قادرة على أن يكون لها أعظم تأثير؟ فكرت: «حسناً، ما هو أعظم ظلم باق في الأرض؟». وبالنسبة إلي، كلما تعلمت أكثر عن شؤون الصحة والجور الذي لا يصدق فيها، أذهلني الأمر، هزني الموضوع في كل خطوة على الطريق.
مويرز: كان يمكنك أن تختار أي مجال، أي موضوع، أي قضية وتصرف عليها ملياراتك ويتم تمجيدك جيداً. كيف اخترت هذه القضية: الصحة العالمية؟
غيتس: هناك مجالان يتطوران بسرعة مدهشة: تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الطبية. هذان هما الشيئان اللذان سيكون فيهما العالم مختلفاً جداً في العشرين سنة القادمة. أنا متحمس جداً لهذه التطورات. وفي الواقع، مجال الطب يستعمل أدوات تكنولوجيا المعلومات للقيام بعمله. ولذلك، عندما يكون لديك هذه التطورات سوف تتساءل: هل سوف تكون متاحة للجميع؟ هل سوف تكون لجميع البشر أم فقط للأغنياء والعالم المتقدم فحسب؟ هل ستتاح للعالم أجمع؟
القضية الوحيدة التي شدتني كمسألة مستعجلة كانت الأمور المتعلقة بالسكان والصحة الإنجابية. ولعل أهم شيء تعلمته في هذه القضية التي لا تزال تثير الدهشة عندما أقول لأناس آخرين: إنه كلما تحسن الوضع الصحي في المجتمع، فإن النمو السكاني ينخفض. كنت أعتقد - قبل أن أتعلم ذلك - أنه كان أمراً متناقضاً. حسناً، إذا قمت بتحسين الصحة، ألن تجعل الناس تواجه بالفعل مشكلة مثل قلة الموارد حيث لن يتمكنوا من التعلم أو لن يكون لديهم ما يكفي من الغذاء؟ أي نوع من النظرة المالثوسية(*) لما سوف يحدث.
والحقيقة أن الصحة الجيدة تقود الوالدين إلى اتخاذ قرار: «حسناً، نحن لسنا في حاجة إلى أن يكون لدينا العديد من الأطفال لأن الفرصة موجودة لإنجاب أطفال أقل يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة حتى يبلغوا ويعتنوا بنا، وهذا يعني أنه لا يجب علينا أن ننجب 7 أو 8 أطفال». حسناً، هذا الاكتشاف كان مذهلاً بالنسبة إلي.
مويرز: ولكن هل اهتممت بالقضايا الإنجابية باعتبارها مسألة فكرية أم فلسفية؟ أم أن هناك شيئاً ما حصل؟ هل خرجت هكذا.. أم كان هناك إلهام؟
غيتس: عندما كنت صغيراً، كان والدَي يساهمان بشغف في مختلف الأمور التطوعية. أبي كان رئيساً لفرع «جمعية تنظيم الأسرة الأمريكية» (**) المحلية. وكان من المثير جدا لي المشاركة في هذه القضية. ولذلك كان الأمر آسراً لنا؛ فعلى مائدة العشاء كان والدَي يمتازان في مشاركتنا معهما في الأشياء التي كانا يفعلانها. وكانا - تقريباً – يعاملاننا كالكبار عندما يتحدثان عن ذلك.
وكانت أمي رئيسة لجماعة «الطريق المتحد»(***) المحلية، التي تقرر كيفية توزيع التبرعات، وتلقي نظرة على جميع المؤسسات الخيرية المختلفة، وتتخذ القرارات الصعبة جداً بشأن صرف الأموال. ولذلك، فإنني كنت أعلم دائما أن هناك شيئاً مهماً عن أهمية تعليم الناس، وإعطاؤهم الخيارات من حيث حجم الأسرة.
لا بد أن أقول إنني خرجت عن المسار عندما بدأت شركة مايكروسوفت، فقد فكرت: حسناً، الآن وجدت اهتمامي على الأقل للسنوات الأربعين القادمة أو نحو ذلك. وعندما كانت أمي تقول لي: «أوه بيل، يجب أن تشارك في حملة «الطريق المتحد» لجمع التبرعات»، كنت أجيب: «أمي، هذا أمر خطير الآن. لقد كان هذا جميلاً قبل مايكروسوفت، ولكن الآن يجب علي دفع رواتب هؤلاء الناس، وإذا لم نحصل على ما يكفي من العقود في هذه البيئة التنافسية جداً، فسوف أفشل. ولهذا لا أعتقد أن لدي وقتا للجلوس وشرب الشاي في حملات «الطريق المتحد» الآن.
ولكنها كانت تصر علي لكي أعمل معها في الحملات، وتقول لي: «كلا، المشاركة معي أمر جيد». وكانت تنجح في أخذي للاجتماعات مع الناس وللتخطيط لجمع التبرعات.
وأخيراً فكرت: «حسناً، سوف أضع مشاركتي مع أمي في إطار عملي»، أي سأجعل الموظفين في مايكروسوفت يشعرون بنوع من الترابط، وبأنهم فريق واحد. ولذلك، أنشأنا صندوقاً لدعم «الطريق المتحد» في مايكروسوفت بعد أن كان هناك جدل حوله.
ولكن مع الوقت، انجرفت قليلاً عن التفكير في هذه الأمور الخيرية. وعدت إليه فقط عندما تضخمت الثروة بصورة كبيرة، وبدأنا ميليندا وأنا في الحديث عن وجهة النظر أن الثروة ليست شيئاً من شأنه أن يكون جيداً لتوريثه لأطفالنا.
لأن الأمر بخصوص ثروة في مثل هذا المقدار الضخم يكون في الواقع إعاقة أكثر من كونه منفعة، ولكن لم أسأل أطفالي عن رأيهم حتى الآن! وهكذا بمجرد أن تتخذ قرارك بأن أكثر من 95 في المئة من ثروتك سوف تعود إلى المجتمع، تبدأ التفكير إنفاقها بطريق.
وهكذا، كنا ميليندا وأنا نجري تلك المحادثات. ولكن كان لدينا مشروع أو مشروعين كنا نظن أننا سندخلهما في وقت مبكر. كنا نظن: حسناً، هذا سيكون صالحاً – على الأرجح - لعدة عقود من الآن.
**يتبع
** ** **
هوامش المترجم:
(*) المالثوسية (Malthusianism) : نسبة إلى نظرية عالم الاقتصاد والسكان الإنكليزي المرموق توماس روبرت مالثوس (1766-1834)، التي قال فيها إن عدد سكان العالم يتزايد بنسبة تفوق نسبة تزايد الموارد الغذائية، وإنه ما لم يُكبح هذا الانفجار السكاني عن طريق ضبط النسل فلا مفر من أن يواجه العالم الفقر والجوع. وقد لاقت هذه النظرية – ولا تزال - قبولا ً كبيراً، ولكنها تعرضت إلى نقد شديد في ما بعد خاصة من الفلسفة الماركسية ورجال الدين، وكذلك من بعض علماء الاقتصاد والأنثروبولوجيا والبيولوجيا وغيرهم. (العيسى)
(**) جمعية تنظيم الأسرة الأمريكية: منظمة غير حكومية وغير ربحية أمريكية تأسست عام 1916. تهتم بنشر طرق تنظيم النسل، وتحديد عدد المواليد والفترات الفاصلة بين كل منهم، وصحة الأطفال. يوجد لها 820 فرعاً في أمريكا. (العيسى)
(***) منظمة «الطريق المتحد»: منظمة خيرية غير حكومية وغير ربحية أمريكية تأسست عام 1887. تهتم بجمع التبرعات والطعام من أجل الفقراء والأعمال الخيرية، كما تقوم بدراسة وحل مشاكل المجتمع. ومن أهم طرق جمع التبرعات من خلال أماكن العمل حيث يتبرع الموظفون بجزء من رواتبهم وتودع في حساب المنظمة بصورة أوتوماتيكية. يوجد لها أكثر من ألف فرع في أمريكا. (العيسى)
ترجمة وتعليق: حمد العيسى - المغرب
Hamad.aleisa@gmail.com