الفنان العراقي سلمان عباس استعاد أجمل أيام دراسة معهد التربية الفنية ولم ينس الأسماء
في قراءة سابقة لأعمال الفنان سلمان عباس الشلهوب العراقي الجنسية استعرضنا لتجربته المتميزة عربياً واستحضارنا لأيام معهد التربية الفنية التي كان الفنان سلمان محاضراً وموجها لجيل من معلمي التربية الفنية الذين أصبح نخبة منهم فنانين تشكيليين شاركوا في رسم خط مسيرة الفن التشكيلي السعودي ووضعوا أول بذرة لهذا الفن الذي أصبح اليوم رمزاً ورافداً من روافد ثقافة الوطن.. مشيراً إلى أنني حينما كتبت عن تلك الفترة كنت أستعيد تلك العلاقة الأبوية من هذا الرجل (الفنان سلمان المخلص بحق) الذي تلقيت الكثير من ردود الفعل المتفاعلة والجميلة التي أثنى فيها تلك المجموعة من المعلمين أو الفنانين على دور هذا الفنان في حياتهم أو في خبراتهم الفنية.
واليوم أعود مرة أخرى للحديث عن هذا الفن، ولكن بشكل مغاير عن السابق لأسباب أهمها رغبة تلامذته (كبار التشكيليين بالمملكة) في استكمال ما بدأناه من حديث سابق. أما الجانب الآخر فهو أنني حينما كتبت عنه في أحد الأعداد السابقة من هذه المجلة؛ كنت بعيداً عن فهم ما أصبح عليه هذا الفنان وما يحتفظ به من ذكريات رغم سؤالي عنه عند زيارتي للأردن، وقيل لي إنه استقر في دولة قطر الشقيقة، ما دعاني إلى أن أعيد البحث عنه من جديد عند مشاركتي مناسبة أقامتها الجمعية القطرية للفنون التشكيلية جمعت أقطاب الفن التشكيلي القطري، ما أتاح لي اللقاء برواد هذا الفن هناك وكان من بين من رغبت اللقاء به وبما كنت أخشى أن لا يكون في قطر معلمي وصاحب الفضل بعد الله على العديد من الفنانين السعوديين الفنان سلمان عباس الشلهوب (الدليمي)، إلا أن الصديق الفنان يوسف السادة رئيس الجمعية القطرية كان أكثر حرصاً أن نلتقي وكان لي ذلك اللقاء الذي لا يمكن أن يوصف من الطرفين بعد غيبة تجاوزت الأربعين عام.
استعادة ذكريات وأسماء
كان كما هو بروحه العالية وبهدوئه المعهود وبعشقه للفن رغم مرور سنوات العمر بكل ما فيها من مواقف وظروف.
رفض أن أقبل جبينه تكريماً وتقدير له، ولكنني استطعت تحقيق رغبتي وبكل مشاعر الحب الصادق والوفاء كنت لحظتها أستعيد أول لقاء به وعمري آن ذاك لا يتجاوز السادسة عشرة في معهد التربية الفنية وما قدمه لنا من خبرات على مدى ثلاث سنوات؛ أصر على أن لا ينتقل خلالها من مجموعتنا دون أن يكمل سلسلة الدروس التي لا زالت القاعدة التي انطلق منها نخبة من التشكيليين الرواد والمعلمين المتميزين بشهاداتهم مع ما اكتسبه تلامذته وأن أمنهم من خبرات خلال إقامته معارضه الثلاثة في الرياض في السنوات الأولى من السبعينيات الميلادية.
تحدث بشغف عن ذكريات المعهد وسأل بالاسم عن كل طالب من طلابه دون أن ينسى أياً منهم ما يؤكد قوة ذاكرته واحتفاظه بهذا الزخم من الأسماء وذكريات الأجواء الجميلة داخل المراسم وقاعات المعهد وكيف كان المعهد يعج بالحركة والإنتاج.
ولم تغب عن الفنان سلمان عباس نتائج ومخرجات فترة التأسيس لهذا الفن الذي كان معهد التربية الفنية أهم وأبرز مصنع للمبدعين التشكيليين قبل إقفاله حيث كان يتابع ويسمع ويسعد بما وصلت اليه الفنون التشكيلية السعودية من تطور وازداد سعادة وهو يذكر أسماء فنانين من تلامذته أصبحوا رواداً في هذا الفن وجزءاً من هذا التكوين الثقافي، حيث اكتشفت خلال لقائي به الكثير من متابعته للفن العربي عامة والسعودي بشكل خاص مع ما يصله من معلومات ممن يلتقيهم من الفنانين السعوديين.
سيره ومسيرة وإشادات
الفنان سلمان عباس الشلهوب حاصل على شهادة بكالوريوس من أكاديمية الفنون الجميلة - وعلى عضوية الرابطة الدولية للفنون التشكيلية التابعة لليونسكو في باريس، بغداد، وله مجموعة من المعارض الشخصية منها معرضه الأول في المركز الثقافي التشيكوسلوفاكي عام 1965، ثلاثة معارض شخصية في مدينة الرياض، كما فاز بجائزة الشراع الذهبي في معرض العربي 1983؛ كما شغل عدة منصب ووظائف منها رئيس فرع الرسم في بغداد والمحاضر في أكاديمية الفنون ببغداد سابقاً وثمة قيمة فنية وتاريخية عراقية لما حققه عبر مسيرته الطويلة من إنجازات داخل العراق وخارجه فضلاً عن تبنيه للعديد من المبدعين العراقيين الذين لا يزالون يقرون له بالفضل في نضج لوحاتهم.
تتميز أعمال الفنان بانتمائه لحضارة العراق العريقة، جمع فيها بين عناصر الزخرفة وأنماط البناء وملحقاتها من أبواب ونوافذ وخلافها مع ما وظفه من الحرف العربي شكلاً أحياناً ومضموناً وعبارةً في الكثير منها بإحساس تعبيري، واختار لها خصوصية وثراء لوني أصبح بصمة وعنواناً لإبداعه، لتتوالى تجاربه ودراساته كما يقول التي انصبت جميعها في أسلوبي الفني الذي أحاول طرحه ضمن إنجاز حقيقي، وبالتالي إن لكل فنان اتجاهاً خاصاً في فنه ومنحى ينحاه الفنان ليخط له في مسيرته الفنية خطوطاً تحفظ له خصوصيته وتميزه.
ومن ما قيل عنه ويعدها وسام يفخر به مع بقية الكثير ما قاله الفنان الراحل شاكر حسن آل سعيد: (نستطيع منذ الوهلة الأولى أن نقف على بنية عالم سلمان عباس الإشارية والعلاماتية معاً، مستعينين بـ(رموز) أو (دوال) يرمز بها نظامه (التكويني المعماري). وسنجد أنه يفاجئنا في معظم الأحيان بتلاعب الألوان وتدرجاتها المتنوعة ما بين الرماديات والزيتونيات والحمراوات البنية. ومهما أمعنا في التطلع والتحديق في لوحاته ذوات المساحات المتوسطة لكي نوغل في أعماقها فسنكتشف إلى أي حد يستطيع هذا الفنان أن يوسع من آفاق انتشاره من خلال عالمين متجاورين (متناقضين ومتكاملين) معاً هما العالم البيئوي - الفضائي والعالم الواقعي المرئي).
ويضيف آل سعيد: وهكذا يظل عالم سلمان عباس غنياً بذكريات طفولة وادعة لا تمل أبداً من أن تتجسد في يوميات رجل مكتمل، محاط بهمومه غير المعلنة. إنها تلخص بالكاد مستوى حياة يومية مضنية: لكي تترنم بجماليات السطح التصويري، ذي البعدين معلنة عن متنوعات لا نهاية لها من الإبداع والبحث والاكتشاف.
- monif.art@msn.com