وما ورد في نهاية الحلقة الثانية لا يحتاج إلى رد لأسباب أن الكاتب ألقى أحكاماً قيمية ليست من شأن المؤرخ، ثم هو يلبس ملحاف المؤرخ كما سميناه أحياناً وجبة الفقيه أحيانا أخرى مع تبرئه منها، ثم أيضاً مما أقر به القاصي والداني أن الوهابيين هم حذاق توحيد الألوهية وتفاصيله ومسائل الجاهلية وضوابط التكفير وما يتصل بدرس العقيدة عموماً، ثم هم يتوارثون خلطاً في محور دعوتهم كما سماه الكاتب ثم هذا الخلط يتبيّن للكاتب؟!
الوهابيون مخلطون في أصل دعوتهم والذي يكشف هذا الخلط ويزيل هذا اللبس نحن بعد ثلاثمئة سنة؟
ثم أيضاً يقول لا أريد التورط في بيان موقف أئمة الدعوة وهو يرد على نتائج موقفهم، ثم أيضاً يذكر في بداية الباب أنهم امتداد لابن تيمية في هذه الممارسات، وفي آخر الباب يقطع أوصالهم من أوصاله، ثم أيضاً لم يصِح المخالفون لدعوة الشيخ إلا عند القتال والتكفير، والكاتب يرفع هذا اللواء مجدداً والرد عليه بحاجة لرسالة مستقلة ثم أيضاً هو يذكر أن الجماعات المتشددة التي تقتل الناس ماهي إلا امتداد لتأثير الدعوة الوهابية، وإن لم تكن الدعوة غالية لكن الإرهابيين امتداد لها، بعد ما قدمنا من تغريدات الكاتب التي رد فيها على من قال بتأثر الجماعات المتشددة بدعوة الشيخ، فماذا نأخذ وماذا ندع وما الذي يجري؟
وقد ختم بمقولة بن تيمية إن الأخطاء (تكون في أولها شبراً ثم تكثر في الأتباع حتى تصير أذراعاً وأميالاً وفراسخ)، فمن هم الأتباع هنا؟!
هل هم داعش؟! فأخطاؤهم فراسخ.
والعجيب كما أسلفنا أن الكاتب في تغريداته انتصر للوهابية في قتالها وتكفيرها، وذكره أنها تعمل بعمل الصحابة والتابعين لهم وسلف الأمة وفقهائها، وأنها ليست ببدع منهم ولا منبتة عنهم وأن أئمة الدعوة النجدية راسلوا وخاطبوا وأقاموا الحجة على من وقع في الشركيات قبل تكفيرهم وقتالهم، بل الكاتب يتعجب في تغريداته من أن الفقهاء أباحوا ذلك في حق من ترك بعض السنن كجهة يعني فكيف بمن وقع في الكفر. وفي الكتاب يتعجب من الوهابية كيف تجعل من بدا لها تركه للتوحيد كمن ترك الواجبات؟!
والأعجب أن الكاتب في كتابه تبنى رأي من كان يرد عليه كمغرد تماماً من مثل أنه يأخذ على خصمه بأنه جعل الجماعات المتشددة ما هي إلا امتداد لتأثير الوهابية. ثم هو في الكتاب يقول بذلك بكل صراحة.
وللكاتب أن يقول هذا غردت به كباحث شرعي وأنا في كتابي مؤرخ للأفكار، ونقول لو خلص الكتاب للتأريخ لما قارناه بالتغريدات وللكاتب أن يقول النقاش في الكتاب لا في شيء خارج عنه، ونقول أيضاً لو أن الانتقال من الفقهي للتأريخي في الكتاب كان معلالاً ومعترفاً به وحيادياً لما نقلنا شيئاً من الخارج. لكن وبما أن هناك ارتجاجا في منهج هذا الباب على الأقل فلا لوم علينا بشيء من ذلك بنقل شيء من خارج الكتاب، ولو ناقشت كل تغريدة بما يوازيها في الكتاب لطال المقام ولكن هذا يترك للقارئ الذي يلاحظ معي في التغريدة قبل الأخيرة أن المغرد يتهم خصوم الوهابية بالخلط في القتال والتكفير، ونفس الكلمة وجّهها تهمة للوهابية عندما كتب عنهم في مسألة القتال والتكفير، فنحن لا نطالب الكاتب بأن يُسمع الوهابية ما تحب أن تسمع بل أن يعطينا آخر كلام ولا يبلبل المتابع له في هذه المسألة ولا نحجر عليه أن يكون مؤرخاً للأفكار، وأن يفحص مدى صلة ممارسات الوهابية في القتال والتكفير بلا تدخل قيمي، لكن نقول أخلص لأحد الحرفتين أقل شيء في هذا الكتاب أو هذا الفصل الذي أكدت فيه أنك مؤرخ فقط، ومع ذلك فالمؤرخ يتقاطع مع الفقيه فله حق التعليق وللفقيه حق التأريخ فله حق التحقيب ولكن الذي لا يحق لمن تلبس الأمرين وزاول المهنتين أمرين:
الأول: ترك تعليل تبديل الملابس والأغطية ما بين مؤرخ وفقيه.
الثاني: ألا ينقض قوله كفقيه قوله كمؤرخ بلا إيراد حجة ولو واهية.
ومع ذلك فالكاتب لا يخرج من الإسلامية للعلمانية بل ولا من السلفية للإسلامية لكونه فحص هذه القطعة من التاريخ وناقش هذه الورقة من الفقه ودرس هذه المسألة من التوحيد، فأئمة الدعوة ما رموا من ناقشهم من فقهاء عصرهم بالزندقة بل سموهم مخالفين وفي درجة أكبر خصوم، بينما الكاتب في التغريدات يصف من اتهم الوهابية في القتال والتكفير بالعلمنة والحق أحق أن يتبع والعدل مع الناس واجب، إلا ان كان من يرد عليه علمانياً أصلا قبل النقاش.
وبعد هذا كله لا ادري هل الكاتب موافق للوهابية أم مخالف أم خصم أم مؤرخ أم فَقِيه أم ماذا..؟
- السلفية بين حقبتين
هذا الباب خاتمة الفصل وهو عن الوهابية في الدولة السعودية الثانية، عدّد فيها من تأثر بالدعوة من العلماء تأثرا بالغاً ومن تأثر تأثراً طفيفاً، ومجموع الباب يقول فيه الكاتب إن البعض يبالغ في تأثير الدعوة الوهابية وأقول نعم هناك من يبالغ، لكن كمؤرخ للأفكار لم يذكر الكاتب أثر هذه الدعوة في العالم الإسلامي لدرجة البخس، وإنما اكتفى بالإشارة وشن الغارة على من توسع في الحديث عن أثر هذه الدعوة، لدرجة أنه يورد كلام العقاد وطه حسين المعجب بالدعوة النجدية ثم يعقب بـ «ولا يمكن بحال أن نعد المسار الفكري والإصلاحي للعقاد وطه حسين متأثراً بالوهابية»?
أقول: وفي هذا قفز على الوقائع فمن يقول بهذا القول؟ يعني ومن يقول ان من مدح الدعوة أو وصف أثرها على العالم الإسلامي أنه بالضرورة متأثر بها. وليس الكلام عن أدباء ومفكرين كتبوا هنا وهناك عن هذه الظاهرة، إنما مجتمعات إسلامية تأثر قادتها الدينيون بهذه الدعوة واصطبغت بها رسائلهم ومؤلفاتهم وخطبهم وخطابهم الموجه للعوام في الهند وما حولها والعراق والشام والشمال الأفريقي، وقد لاقى بعضهم ما لاقى في سبيل ذلك.
وقد عدد الكاتب كما أسلفنا أسماء لعلماء تأثروا بهذه الدعوة ومنهم على سبيل المثال السنوسي، ولكن لماذا لم يذكر أثر السنوسي على قومه وكيف أثرت الدعوة في خطابه الموجه لأهل المغرب وما انعكاسات هذا لسنوات ما بعد السنوسي؟
وعلى طاري طه حسين فقد قال (ولولا أن الترك والمصريين اجتمعوا على حرب هذا المذهب وحاربوه في داره بقوة وأسلحة لا عهد لأهل البادية بها لكان من المرجو أن يوحد هذا كلمة العرب في القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجري، كما وحد ظهور الإسلام كلمتهم في القرن الأول).
وأما العقاد فقال (ولم تذهب صيحة ابن عبد الوهاب عبثاً في الجزيرة العربية ولا في أرجاء العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه، فقد تبعه كثير من الحجاج وزوار الحجاز وسرت تعاليمه إلى الهند والعراق والسودان وغيرها من المناطق النائية).
وهذا من واقع أثر هذه الدعوة وقد جلاه الأديبان غاية الجلاء وقصر الكاتب وهو مؤرخ أفكار عن بيانه مع انه نقل كلامهما، لكن في معرض الرد على من قال بتأثير الدعوة على العالم الإسلامي وذلك بطرح السؤال الذي أسلفنا، فهل نعد طه والعقاد وهابيين لأنهما قالا ما قالا، وأعيد ليس النقاش فيهما بل لماذا تفرغ الكاتب للرد على من بالغ في اثر الدعوة ولم يُبين هو حجم التأثير الحقيقي، مع علمنا أن هذا الفصل عن الدعوة ما قبل الدولة الثالثة التي لا يناقش موافق أم مخالف في أثرها على العالم أجمع، ومع ذلك فكما سيأتي معنا في فصل الدولة الثالثة فالكاتب جعل مصر قسيمة السعودية في نشر السلفية؟!
باختصار من السعودية الأفكار ومن مصر الرجال، وأيضاً قدم في هذا الفصل بخمسة أسباب تجعله يرفض وبشدة أن تكون السلطة السياسية هي التي نشرت السلفية في العالم؟
وكل ذلك سيأتي بيانه ونقاشه بإذن الله.
- الرياض
t.alsh3@hotmail.com - TALSH3# تويتر