«جيرترود بيل - رسائل من بغداد» هو عنوان الفيلم الوثائقي - الروائي الذي يتم إنتاجه من قبل الشركة الأمريكية LLC، والمفروض أن الشركة استكملت إنتاج الفيلم مع نهاية العام 2014، وكان مخرج الفيلم قد كتب معالجة الفيلم سينمائياً، قبل أن يكتب السيناريو. وفي رغبة منه لتعميق المعالجة السينمائية وبالتالي السيناريو فإنه رغب بإجراء حوار مع الجانب العراقي ممثلاً بوزارة الثقافة، لكن هذا اللقاء لم يتحقق ضمن لا أبالية واضحة في وقت كانت الرسالة تشير -إضافة إلى الفيلم- بتوفير فرصة تدريب لموظفي الأرشيف المرئي في العراق، والعراق بحاجة إلى هذا الجانب، إذ لا يتوفر أي شخص له معرفة علمية في تنظيم الأرشيف وترتيشه وترميمه وشروط الحفظ النظامية. ولذا كتبت المعالجة من جانب واحد من الناحية الرؤيوية لشخصية «مسز بيل» دون توفر الرأي العراقي بشخصية مهمة في التاريخ ولها دور كبير في تأسيس الدولة العراقية الحديثة.
المعالجة السينمائية
جاء في رسالة المخرج السينمائي الأمريكي الموجهة لوزارة الثقافة العراقية عن صيغة المعالجة السينمائية: «رسائل من بغداد» تأتي بعد صعود «بيل» ضمن تصنيف ذكور الاستخبارات العسكرية البريطانية للمعترك الداخلي للسلطة واستكشاف كيف ولماذا تضاءلت سلطتها. أيقظ الفيلم أسئلة مهمة عن الاستشراق، الاستعمار، والأمبريالية.
نحن ملتزمون بإنتاج فيلم معتمدين على زمالة مرئية لتلك الفترة الزمنية المعقدة، ونحن نعتقد بأن مصداقيته ستكتمل على النحو المطلوب بتضمين معرفة واضطلاع بالصوت العراقي ووجهات النظر حيث يستخدم الفيلم مواد ذات مصدر أساسي، إذ إن جميع الروايات وثقت حرفياً من الرسائل ووثائق أخرى. لقد أنجزنا بحثاً حقيقياً على أرشفة متعددة بما فيه متحف الحرب الأمبريالي، مركز الشرق الأوسط في Antony st. اكسفورد، أرشفة السودان في جامعة درهام وجامعة نيوكاسل، أنكلترا، بالإضافة إلى ذلك فقد اكتشفنا مشاهد مذهلة لم تر من قبل في الشرق الأوسط منذ بدايات 1900. رسائل من بغداد استخدمت لقطات أرشيفية لفتح نافذة لجمهور معاصر، محاولاً لموازنة التصور أو المفهوم الرائع لصور المستعمر الدخيل. العالم الذي أحبته «بيل» وإدراك هذه الفترة من العراقيين المتأثرين بصورة مباشرة بقرارات «بيل» التي أدت إلى اجتياح عسكري وثورات سياسية واجتماعية. يتضمن الفيلم السينما الأولية، النشرة الإخبارية، الرحلات والأفلام الإثنوغرافية للعراق. كذلك العديدة من مواقع الشرق الأوسط التي كانت مدمرة وتحت النار أخيراً مثل سوريا وحلب.
التواصل والإرث:
رسائل من بغداد قدمت لجمهور في الخارج متضمناً استراتيجية مهرجان مسرحي وإذاعي واستراتيجية تواصل تعليمية شاملة. لقد بدأنا الشراكة مع جماعات حول العالم لتحقيق قاعدة جماهيرية دولية. رسائل من بغداد لها القدرة على إثارة الحوار في مواضيع عديدة ونخطط لخلق دليل دراسي لتمكين المثقفين من استخدام فيلمنا كمنصة انطلاق للنقاش. ومن هذه المواضيع التي ستبحث الإمبريالية، التوازن بين السياسة البريطانية في العراق بعد أحداث الحرب العالمية الأولى والتدخل الأمريكي في المنطقة حركة ضد التسوية والتسامح بين مختلف فئات السكان وتاريخ العراق.
(انتهى مقطع الرسالة الخاص بالمعالجة السينمائية)
في عرض الرسالة الأمريكية المطولة لوزارة الثقافة العراقية التي أهملت أو رميت والتي احتوت على فقرات علمية وعملية في إنتاج فيلم سينمائي وثائقي مهم عن الشخصية البريطانية التاريخية جيرترود بيل التي عرفت باسم «مسز بيل»، توضح الجوانب الإيجابية الكبيرة التي يحصدها الجانب العراقي لو تم فقط الجواب على الرسالة إيجابياً بالقول «نرحب بفريق التصوير» وسوف لن يخسروا حتى أجور الإقامة والاستضافة. الكل يطمح أن يرى لا أن يقرأ فحسب في موسوعات الإنترنت، تلك الشخصية المذهلة في تاريخ بريطانيا بل في تاريخ العراق حيث أقامت وأُسست الدولة العراقية الحديثة التي لأننا لم نعرف أبعادها وعلاقة حاضرها بماضيها ذهبنا باتجاه المد الثوري وصرنا أبواقاً لفكرة التنديد بالمستعمر قبل أن يقوى عودنا على إدارة الدولة بكل تفاصيلها، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه. بل وصل بنا الحال لحد الإساءة لشخصية مسز بيل التاريخية في أحد الأفلام التي أنتجتها الدولة العراقية في حقبة البعث السياسية لمجرد الادعاء بحرصنا على السيادة الوطنية التي لم نعرف ألف بائها! السيادة الوطنية ليست شعاراً بل هي تفاصيل، ومن هذه التفاصيل أن لا نترك تاريخنا المصور تحت الأنقاض على مدى ثماني سنوات يمتزج التاريخ بالطين والمياه الآسنة، فيما المستعمر صانع السينما في العالم يسعى باحثاً في الكتابة والتصوير والإنتاج لتأريخه وتجسيد شخصية مهمة ومدهشة في التاريخ الإنساني أحبت العراق ووضعت أسسس دولته ورعت آثاره وحفظتها في المتاحف فيما نحن اليوم نقوم بتهديمها وتحويلها إلى تراب ورماد أمام عدسات الكاميرات وعلى شاشات التلفزة، فيما سيعرض فيلم «رسائل من بغداد» وفيه تجسيد لشخصية مسز بيل الشخصية التاريخية في العراق والمنطقة.
هذا الضياع الذي نعيشه اليوم والمتمثل في المكتبية المنفوخة والعابثة والنائمة في مؤسساتنا وفي مؤسساتنا الثقافية أيضاً، نخسر بسببه الكثير وسنخسر الكثير، فخسائرنا لا تتمثل في هبوط أسعار برميل النفط، فهذا قابل للصعود ثانية والهبوط ثانية، لكن الخسارة الحقيقية تتمثل في خسائرنا الثقافية. فلو افترضنا أن وزارة الثقافة قد ردت (مجرد رد) على رسالة الشركة السينمائية الأمريكية «الإمبريالية» لحققنا للعراق:
أولاً - فيلماً تاريخياً ثنائي الرؤية بين الثقافة الأمريكية والثقافة العراقية في قراءة لشخصية مسز بيل التاريخية.
ثانياً - أن يتعلم عدد من السينمائيين حرفية الإنتاج السينمائي، وكذا الإداريين!
ثالثاً - أن تكون لبعض المواقع العراقية الجغرافية مكان ومكانة في الفيلم، فتظهر على الشاشة نخيل العراق وشوارع العراق القديمة بنكهة الماضي والتاريخ.
رابعاً - أن نتعلم حرفياً كيف نحفظ الوثيقة المصورة. وبالمجان!
خامساً - أن ننقذ تاريخنا المطمور تحت الأنقاض والمؤهل للتلف الكامل.
فماذا سنقول لإحدى منظمات الأمم المتحدة «اليونسكو» المعنية أممياً بالأرشفة والتاريخ المصور للإنسانية؟!
هذه خسارة واحدة من ملايين الخسارات التي تحققت في مجال الثقافة فحسب، متمثلة في فيلم يحمل عنوان «جيرترود بيل، رسائل من بغداد» .. هذه الرسائل التي لم يحمل ساعي البريد العراقي رسالة جوابية واحدة منها تبدأ بالتحية وبعد.. وتنتهي بالسلام!
- هولندا
k.h.sununu@gmail.com