لا أحد ينكر الدور الكبير الذي تقوم جامعاتنا في التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع، فهذه هي الأهداف الثلاثة التي ينبغي أن تسعى كلُّ جامعةٍ إلى تحقيقها، والعمل على أن تكون مخرجاتها نوعيةً مميزة، وعلى أعلى درجات الجودة والإتقان، ولا شك أنه لا يمكن أن تؤدي الجامعة هذه الوظائف بالصورة المأمولة إلا حينما يعي كلُّ فردٍ من المؤسسة التعليمية أهمية دوره فيها، وأن يتحمَّل المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأن يحرص على القيام بها على أكمل وجه، بدءاً من مدير الجامعة إلى أصغر موظف في المؤسسة.
ومما يتصل بأداء هذه المهام وتحقيق الأهداف المنوطة بالجامعة: إقامة المؤتمرات والندوات، وتنظيم الملتقيات العلمية، والإعلان عنها والدعوة إلى حضورها، انطلاقاً من وعيها بالفوائد العديدة لهذه المناسبات، حيث يؤكد المتخصصون أنَّ ازدهار العلوم لا يكون إلا من خلال مجتمعٍ علميٍّ يضم مختلف الفئات والتخصصات العلمية، كما أنَّ الحياة الكريمة وازدهار الحضارة لا يكونان إلا من خلال مجتمعٍ يضمُّ مختلف الفئات البشرية التي تتبادل المنفعة وتقوم بالأدوار المختلفة، وإذا كانت الأسرة لبنة المجتمع فإن الجمعيات العلمية هي لبنة المجتمع العلمي.
كما يؤكد المختصون أن أكثر من 70% من حلول المشكلات العلمية والصناعية تنبثق عبر التفاعل المباشر أثناء المؤتمرات واللقاءات العلمية، وهي ليست فقط من خلال المحاضرات أو الأوراق التي تلقى، ولكن أيضاً من لقاءاتٍ غير مخطَّطٍ لها، في المحادثات والنقاشات الجانبية في ردهات المؤتمر، فلا شيء يعادل المقابلة وجهاً لوجه في بناء العلاقات العلمية والاجتماعية والاقتصادية. وإذا كان بإمكان الباحث التعرُّف على غيره من العلماء والإفادة منهم من خلال الكتب والمجلات العلمية، غير أنه غالباً لا يستطيع أن يقيم معهم تعاوناً علمياً، أو يبني معهم شراكاتٍ أو علاقاتٍ علميةً واجتماعيةً إلا حين يقابلهم شخصياً في مثل هذه المؤتمرات والملتقيات والندوات.
وإذا كان ما سبق يفصح عن الأهمية الكبرى لما تقيمه الجامعات من مؤتمراتٍ أو تعقده من ندواتٍ علميةٍ ولقاءاتٍ متخصصةٍ، ففي ذهني مجموعةٌ من التساؤلات التي أجدها تفرض نفسها حاضرةً في هذا السياق: هل مؤسساتنا التعليمية التي تعقد هذه المؤتمرات وتشرف عليها على وعيٍ تامٍّ بهذه الأهمية؟ وهل المسؤولون في الجامعة يدركون الأثر الكبير الذي يُفترض أن تحدثه هذه المناسبات العلمية في المجتمع؟ ثم هل المؤسسة التعليمية مؤهلة لعقد هذه المناسبة؟ وهل لديها من الإمكانات ما يساعدها على ذلك؟ وماذا عن موضوع المؤتمر وفكرته؟ وكيف يجري اختيار هذه الموضوعات وعلى أيِّ أساسٍ يتم؟ وما مدى صلة هذا الموضوع بالمجتمع وما حجم اهتمام أفراده به؟
وتستمر التساؤلات في هذا السياق: هل لدى أصحاب فكرة المؤتمر أو الندوة رؤيةٌ واضحةٌ عما يمكن أن تحقِّقه هذه المناسبة من أهدافٍ وطموحات؟ بل هل هناك أهدافٌ حقيقيةٌ جادَّةٌ مدروسةٌ يمكن تحقيقها وراء إقامة ذلك المؤتمر أو عقد تلك الندوة؟
وماذا عن العاملين؟ هل كان اختيار الكوادر العاملة في الإشراف على هذا المؤتمر وتنظيمه مدروساً ومختاراً بعنايةٍ ودقةٍ ومنهجية؟ سواء كانت تلك الكوادر العاملة في الجانب التحضيري أو العلمي أو التنظيمي؟ أم أن ذلك الاختيار يعتمد على المصالح الاجتماعية والفوائد الوظيفية؟ أو أنه أمر روتيني يجري في كل مناسبة مهما كان موضوعها فإن السماء لا تتغير؟
والأهم من هذا كله: كيف تُكتب توصيات المؤتمر؟ ومَن يكتبها؟ وعلى أي أساس؟ وهل تُكتب قبل المؤتمر أم أثناءه أم بعد الانتهاء منه؟ وما مدى قيمتها وواقعيتها؟ وهل يجري تفعيلها حقاً بعد انتهاء المؤتمر؟ أم تبقى حبراً على ورق؟ وكيف يتم اختيار المشاركين في المؤتمر؟ وهل يكون ذلك بالدعوة العامة ومن ثمَّ المفاضلة بين المتقدمين أم عن طريق توجيه الدعوات الشخصية؟ ثم ماذا عن التكاليف المالية المرصودة لهذا المؤتمر؟ وهل هناك طريقة للتأكد من أنَّ صرفها كان دقيقاً؟ وهل كانت تكاليف المؤتمر توازي العطاء العلمي والفائدة المرجوة لهذا المؤتمر أو تلك الندوة؟
هذه وغيرها تساؤلات مشروعة ينبغي أن يناقشها المسؤولون عن كلِّ مناسبة بدقة، وأن تُدرس دراسةً وافيةً قبل إقامتها، حتى يمكن للمؤسسة التعليمية أن تدرك إمكانية تحقيق أهدافها التي رسمتها لهذا المؤتمر، وتعرف بوضوح الجدوى من إقامته، وإذا كان الكلام في هذا الجزء قد أخذ منحى الافتراضات والتساؤلات فلعلَّ الجزء القادم يتناول واقع المؤتمرات في جامعاتنا، والمشكلات التي تواجهها، والحلول التي يمكن أن تسهم في إفادة مثلى وقصوى وراء إقامتها.
- الرياض
omar1401@gmail.com