(موت الناقد) هو العنوان الذي ارتضاه رونان ماكدونالد لكتابه الذي صدرت ترجمته عن المركز القومي للترجمة في العام 2014م.
وتحوم مركزية الكتاب حول (موت الناقد) الذي انشغل بالنظرية عبر البحث الأكاديمي وفي ردهات الجامعات بعيدًا عن الشارع والمجتمع، فهذا الناقد الذي عاش الأحقاب الثلاثة الماضية في همّ النظرية فإنه الآن على شفا المقبرة لتوديعه، بيْدَ أن التوديع لا يعني الاحتفال بموته (ص18)، لأنه قدم الكثير مما يشاد به في رحلته النقدية لكن المرحلة الراهنة لم تكن له بل هي لكل كاتب في بحبوحة الشبكة الإلكترونية من مدونين وكتّاب، فهي مرحلة الهامش والشعبي وهي مرحلة الأغنية والسينماء فلم تقتصر على الأدب الرفيع فحسب كما هي سابقًا، وهذه الحيلولة هي التي تسمى بالدراسات الثقافية التي صعدت -بحسب رأي المؤلف- لتُسقط النقد الأدبي الذي انغمس بالقيمة الأدبية والنظرية الجمالية حتى ألْهتْه عن شتى الفنون الشعبية التي يمارسها المجتمع. ولعل (موت الناقد) هنا هو امتداد لموت السلطات، سلطة المؤلف مع رولان بارت، وسلطة المثقف مع ميشيل فوكو، وسلطة الناقد مع رونان ماكدونالد، وتأتي إماتة السلطات منذ ثورة الشباب في 1968م وهو العام الذي أمات فيه بارت المؤلف، وهي الحقبة التي فكك فيها فوكو سلطة الخطاب المسيطرة على عقل الإنسان، وهي الحقبة التي أبدع فيها جاك دريدا تفكيكيته ليزيح بها كل مركز تمركز حوله الفكر الغربي.
ويهتم المؤلف كثيرًا بمركزية القيمة أو النظرية الأدبية التي انشغل بها النقاد والفلاسفة منذ أفلاطون حتى مرحلة ما قبل الدراسات الثقافية أو ما قبل (نعي النظرية)، ويطرح وصفًا وتحليلاً حول هاته المركزية يستحضر من خلالها ما أبدعه الفلاسفة والنقاد وبالخصوص ما طرحه كانط حول النظرية الجمالية ويعتبره « الشخصية الأكثر تأثيرا في النظريات الحديثة الخاصة بالقيمة الجمالية « (ص75) وما طرحه الناقد إليوت الذي جمع بين المحافظة والتجديد في نظر المؤلف لكنه لم يعتمد على منهجية أو نظرية منضبطة بل إن التنظير كان لاحقًا مع النقاد الأكاديمين من بعده (ص98)، ويحلل كل هذا بوعي واطلاع واسع منه على نتاجهم النقدي والفلسفي مما يدل على طرح منطقي ومتصل يرمي به إلى النتيجة أو إلى الحيلولة بالدراسات الثقافية التي ختم بها كتابه كنهاية للطرح النقدي الغربي.
الإشكال الذي نلمحه في هذا الكتاب أنه اعتمد على فكرة (الإماتة) التي تفجّر الاصطلاح بها في المرحلة الفكرية الآنيّة، وقد ناقشت هذه الفكرة في مقال سابق بعنوان (النظرية.. من الموت إلى الجدلية)، وفكرة الإماتة هذه جعلت المؤلف يقع في اضطراب حول (موت الناقد) ففي الحين الذي يعلن موت الناقد في بداية الكتاب حتى جعل الناقد لا يمكن أن يعرّف بذاته هكذا (ناقد) دون نعت آخر مصاحب له ك (صحفي وناقد) أو (كاتب وناقد) أو (أكاديمي وناقد) فإنه في آخر فقرةٍ من الكتاب يحنّ على هذا الناقد الذي قد مات بمحاولة التشكيك في موته « لربما لا يكون الناقد قد مات، بل جرت ببساطة تنحيته جانبًا» (ص159).
وفي نهاية المقال أنوّه إلى أن هذا العرض للكتاب هو محاولة لعرض الأسس التي عالجها الكتاب وليس تناولا للتفاصيل التي عمّق بها أطروحته حول صعود الدراسات الثقافية، فهو تعريف أكثر من كونه تحليل ومناقشة لأفكار الكتاب.
صالح بن سالم - المدينة المنورة