أنا والليل في صراع، نفتح النافذة قليلاً ليتسلل الليل ونسيمه يقلب أحلامنا، أمي وأنا، في غرفة تضيق بأحلامنا وتتسع لقلوبنا. قالوا: «بيت الضيق يسع ألف صديق» لكن ماذا عن الأحلام؟! هل تحتاج إلى وطن أم أنها تكتفي بكونها مشردة أو لاجئة مثلي بشكل أو بآخر! لنؤجل النواح قليلًا، ليس هذا أوانه، هذا أوان الاحتفال بالليل و... الضجر! يعلّق أمبرتو إيكو ساخرًا على من يكثر من استخدام النقاط المتتابعة (مثلي)، يراه قصورًا وأراه فسحة للتفكير، لتغيير الرأي، للقبض على الكلمة المناسبة وللإدهاش أو الإحباط على حد سواء!
قرب فراشي محاطة بكثير من الفوضى، ثلاثة كتب وقلمان ودفتران، المنظر الوحيد الموحي بقليل من الترتيب علبة المناديل الموضوعة باستقامة موازية لضلع الفراش، وعلى بعد خمسة سنتيمترات منها قنينة ماء سعتها 600 مل شربت ربعها فقط، لا يبدو أنني أشرب الماء كثيرًا وأستعيض عنه بالقهوة، هذه كلها أرقام أورقام، لا شك أنني ضجرة ما دمت أقيس ضلع الفراش الملاصق للمناديل والمسافة الفاصلة بينها وبين قارورة الماء، وأقيس أحلامي البيضاء بعد قليل، كأني أقيس كفنًا أو كأنها ترتديه عامدة لتغيظني، ليس هناك من أمل في الأفق (الذي لم أحسن قياسه بعد) لتتسرب الألوان من علبة ما، أو من غيمة ما، أو من قوس قزح ما ليصير للمنامات طعم (تخيلت نفسي أتناول إصبع طباشير ملون)!
كم حذاء سأحتاج لأتمكن من قياس الأفق؟ هل تعتقد أن قياسه بالقدم، بالكيلومتر، أو بالميل؟!
هذه جملة ليس لها شكل ولا رائحة ولا لون، وهي حتى أقل من الجملة الاعتراضية وربما كان علي شطبها، لكني لا أفعل، على الأقل هنا في هذه المساحة البيضاء (ليست بيضاء تمامًا بل هي أقرب للأوف وايت)، وقربي هاتفي بجيبه الزهري الباهت، والسماعات الزرقاء الجديدة التي ترافقني فيها فيروز كل صباح، ملخبطة ومتشابكة مثل بقايا الشعر في مشط مكسور الأسنان، وعلبة المناديل الموضوعة باستقامة موازية لضلع الفراش، وبعيدًا عنها بخمسة أصابع، تقف قارورة المياه الزرقاء، وحيدة مثلي أنا.....
بثينة الإبراهيم - القاهرة