للصبر في عيون البحر حكايات يرويها الزمان، وبحَار عجوز يشد حبل الشراع... يثقف صدر الريح... ويتكئ على سارية العمر، ليروي لبحارته حكاية عشق مع عروس البحر... حكايته التي لم تبدأ بعد، فلا أطيق هذا البحر... فموجه لا يكاد يصل اسفل قدمي... وماؤه غور.. ومذاقه ملح أجاج، هكذا يقول البحار العجوز وهو يشعل لفافة سيجارته المبلولة بماء البحر... وبقليل من عرق الجبين: يا طيور البحر... هاتي لي من هناك... بين الوادي والضفتين ماءً عذباً فراتاً.
يا طيور البحر.. هبي لحبيبتي وردة.. ومنديل وشال ويا طيور البحر رفي فوق منازل غادرها ضوء النهار مغروس أنا في غور هذا الليل كشجرة فقدت ظلها.
وأقف أنا كخرافة ترويها عجوز لأطفالها السبعة.. ولكلابهم السبعة في أيامهم السبعة ينشد البحار خلف صاري الريح. يا ليل دانه.. دان ويردد البحارة.. ليلك طويل أيها العجوز.. فلم لا تقذف نفسك إلى الماء يقهقه الرجل العجوز.. لست أنا لست أنا من ضاجع هذا النورس... ووهب له الحياة:
- إنه البحر.. واهب الحب والحياة
آه يا بحر.. يا واهب الخصب والنماء
آه يا بحر يا ساكب الأماني في عمر الزمان
يلقي البحار العجوز مرساته في عمق البحر...
تتوسل إليه الأسماك أن يكمل إبحاره
فالأسماك ترهقها السباحة عكس التيار
ما أقوى هذا الليل المترع بالصمت وبعض الصمت... يتمتم العجوز
آه من هذا الليل الموغل في الحزن حد الاستحالة
آه من أيامي... فهي بعدك لم تعد تعدو حلف الصباحات الضاحكة
باقٍ أنا هنا كما نبتة أنبتها المطر... ونسي السيل أن يسري بها معه
آه يا وجعاً يمزقني من الوريد إلى الوريد
يا غلغلة خنجر يجتزني نصله من الخاصرة للخاصرة
آه يا ألم الصديد
أنا هنا يا أيقونة الصباح... واقف أنتظر... وأنتظر... وأنتظر
احتسي قهوتي...
دون سكر وماء
يا بحرية العيون...
بعدك نسيت مفردات اللغة... فما عدت أميَز بين الكلام والكلام
وما عدت أفرَق بين صحوي والمنام
يا أيقونة الحياة...
ما عدت أتقن تهجئة الحروف ولا أميز بين الفواصل والنقاط في آخر السطور
وما استطعت سبر غور هذا الصباح
لأني لم أعد أقوى أن أقول أحبك
وأحبك...
«البستاني»
- محمد الخضري