وَرَدَ ضمن أخبار وكالة «يو. بي. إي» أن بريطانيا العظمى تستهلك كميات هائلة من «الفاصولياء» اليابسة تفوق بأضعاف ما يستهلكه أي بلد في العالم! حيث تُعتبر «الفاصولياء» المطبوخة أشهر وجبة شعبية في جميع أرجاء المملكة المتحدة، إذ ينفق البريطانيون عليها بسخاء وحماسة ما يصل إلى 340 مليون جنيه استرليني في العام الواحد!
وكانت دراسة منهجيّة موثَّقة أظهرت من خلال التقصِّي الميداني والبحث الزراعي والمقابلات، ومتابعة نشاط المطاعم ومطابخها إلى جانب مطابخ البيوت في المدن والأرياف، أن «الفاصولياء» هي أساس ضروري لمكونات الغذاء الإنكليزي، وأن هذه الأكلة المطبوخة المعلَّبة هي من بين أكثر وأحب الأطعمة التي يحرص البريطانيون على حملها معهم عند السفر إلى الخارج!
منذ مدّة حذَّرت وزيرة بريطانية وبشكل إنذار حاد، من تأثير مفاعيل «ريح البطن» المنطلقة بفعل تناول «الفاصولياء» على تغيير المناخ وعلى طبيعة ولون الضباب الذي اشتهرت به - وما تزال - العاصمة «لندن»! وَدَعَتْ كل البريطانيين إلى التوقّف عن تناول كميات كبيرة منها، وذلك لحماية البيئة بكل تراثها وتنوّعاتها، فقد تبيَّن أن هبوب «رياحها» في الشكل والمضمون تؤثر أيضاً على أمزجة الكلاب والهررة! وتحفِّز الطيور والعصافير على الهجرة بعيداً عن الأماكن التي تعصف فيها رياح تجليات «الفاصولياء»!
وقالت وزيرة الدولة البريطانية لشؤون تغيّر المناخ «البارونة» السيدة «سانديب فيرما» في جلسة لمجلس اللوردات إن «ريح البطن» مسألة جدِّية وخطيرة يجب التعامل معها بمنتهى الحَذَر وبإحساس مرهف واعتدال، وذلك في معرض ردِّها على سؤال حول ما إذا كانت انبعاثات «ريح البطن» الناجمة عن الإفراط في تناول «الفاصولياء» يمكن أن تؤثّر سلباً حتى على أمزجة وتفكير الناس بالإضافة إلى تلوُّث البيئة، وأضافت «البارونة» بحدّة وصرامة: نحن بحاجة إلى تعديل سلوكنا حيال «الفاصولياء»!
منذ عقود كانت «الفاصولياء» – وما تزال – في بلادنا من الأكلات الشعبية المتداولة بوفرةٍ وكثرة، وكان يُقال إنها وجبة الفقراء – وكذلك المساجين وطبعاً من دون لحم – ويُطلق عليها من باب إشاعة الدعابة والمرح: إنها الوجبة التي أوَّلها منافع وآخرها مدافع»!!
وخلال زمن طويل، وتبدّل العهود والسلطات والأنظمة في بلادنا لم نسمع أو نلمس أو نرى أحداً من أولي الأمر والنهي والسلطان قد أدلى بتصريح أو ملاحظة، أو حتى لفت نظر بشأن تلوّث بيئتنا جرّاء تناول «الفاصولياء» ومفاعيل «ريح البطن»! فنحن إلى جانب استهلاكنا المفرط «للفول» المدمَّس والمسلوق والمطبوخ والأخضر والمشوي... لم يأتِ أحد على ذكره بصفته مكوِّناً فعَّالاً لمرجل «ريح البطن» وربما أكثر بكثير من «الفاصولياء» المطبوخة!!
لن نستغرب يوم سيصل فيه البريطانيون إلى اعتبار «ريح البطن» ثروة وطنية سيولدون «الطاقة» من كثافتها الهائلة ومخزونها المستقبلي، وسيتم الاستغناء عن النفط وجميع مشتقاته!
أما بالنسبة لنا، مع الفول والفاصولياء فلن نحرّك ساكناً، فمنذ سقوط «الأندلس» ونحن نأنس «بمفرقعاتنا» وسنظّل نردّد بأن «رياحنا» تجري بما لا تشتهي سفن «التقدّم»، وسنبقى نشاهد هذا الفلم السينمائي الهوليوودي الشهير: «ذَهَبَ مع الريح»!!
غازي قهوجي - kahwaji.ghazi@yahoo.com
** ** **
المقال قبل الأخير الذي بعثه للثقافيه - رحمه الله