الكتابة كفعل بحد ذاته يمارس منذ أن عرف الإنسان أن هناك ما عليه أن يضعه أمامه كرسمة ورمز ومن ثم حرف. هناك دائماً رأي نمطي أن الكاتب عادة شخص قلق وحساس ومرهف يشعر بهموم غيره ويتفهم اشكاليات تتعلق بالحياة الإنسانية. مجملاً من الطبيعي أن يحمل الإنسان السوي هذا الهم ويخرج به في عمله إلى مرحلة أخرى تتسع للتناول على مدى أرحب من حجم رأسه وقلبه وإحساسه كل حسب مهاراته.
لأسباب أكاديمية صنف الأدب بمسميات مثل: أدب أمريكا الجنوبية، أدب المستشرقين، الأدب الأفريقي، الأدب النسوي وهكذا. لنصل في الوقت الراهن لمن يميل إلى تصنيف الأدب بهذه المسميات على أنه من المسلمات والأمور الجازمة. على الرغم من أن الناحية العلمية تحتم أن الأدب حين يُعبر عنه بنص يبقى هو النص الحاوي لفكر كاتبه بشكل إبداعي فيتداوله المتلقي بحيادية عن الكاتب.
نموذج: ( الأدب النسوي) هل هو ما كتبته امرأة أم هو الذي كتب عن المرأة؟
ماذا لو كان لدينا نص يتحدث عن المرأة وكاتبه رجل/امرأة من أصول استرالية عربية أفريقية ولديه/ا هوية تلك البلاد بالإضافة لحصوله/ا على هوية أوربية وعاش/ت في اليابان وي/تتقن لغات جميع هذه الدول وي/تكتب بذات اللغات؟
كيف سيتم التصنيف؟ للتسهيل ربما يميل البعض لنسب الكاتب/ة إلى لغة النص الأصلي أياً كان. وربما هناك من يصنفه حسب مكان إقامة الكاتب/ة أو موضوع النص وفكرته، وهكذا نجد الباب مفتوحاً لإيجاد وسيلة لتصنيف النص وربما الكاتب/ة على أكثر من معيار. ويبقى النص هو النص. هل يجوز أن نسأل كيف تشعر المرأة الطبيبة وهي تعالج مريض بالقولون العصبي أمامها؟ وهل هذا يتساوى وشعور الطبيب الرجل أمام ذات الحالة؟ أكثر ؟ أقل؟
لكليهما المعرفة العلمية بالمرض والعلاج أيضاً، من السذاجة أن نقول إن الشعور كأطباء سيختلف من المرأة إلى الرجل أمام ذات الحالة المرضية.
هل يجوز بالتالي أن نسأل كيف تشعر المرأة أمام هم إنساني تكتب عنه كغرق مهاجرين قسراً في البحر قبل أن تلتقيهم شواطئ آمنة؟ أيحزن هذا المراة ولا يتفاعل معه الرجل؟
يبقى الإبداع هو المرحلة التي ننتظرها في نقل المشهد في عمل إبداعي فمهارة الكاتب تترك للنص بصمته لدى المتلقي مما يحرك بجمالياته الفكرة في رأس القارئ وبشكل فعال.
في كندا صدر قانون عام 1926 سمي بقانون (الشخص) وهو قانون ينص ولأول مرة على إعتبار المرأة كائن حي عاقل مكنها هذا القانون فيما بعد من نيل فرصة التصويت والترشيح في الإنتخابات. وفي العقود الأخيرة هناك صوت قوي في أمريكا الشمالية يدعو لأن تترك أمور الإدارة في الشركات للمرأة لأنها أكثر مهارة وحصافة في تولي مهام القيادة في العمل.
ليس مبحثنا هنا المقارنات ولا أن نفضل ممارسة دولة عن أخرى فقط إضاءات على واقع تعيشه البشرية بتباين يعتمد على الثقافات والتطور في الوعي بالمعطيات الإنسانية.
بعض اللغات تميز في الضمائر المؤنثة والمذكرة وهذا لا يقلل من شأن أيها، يبقى كيفية توظيف اللغة وبالتالي المفردة في النص هو أساس العمل.
نعود إلى الحيادية والموضوعية وهي هنا تُلزمنا بالوقوف أمام أي نص كما عينة تشريحية أمام فني مختبر أو زجاجة عطر لمتذوق عبقها. هذه الطريقة تجنبنا أن نعطي النص أبعاداً قد تشوش في التلقي ووضع صورة انطباعية قبل تناوله. وربما بعد مرحلة القراءة وفهم النص ومن ثم البحث في جمالياته لربما ذهبنا من خلال النص وطريقة عرضه ومفرداته أن نقوم بتشريحه واستنتاج كنه العقلية التي كتبه وبم وبمن وكيف تأثر.هذا إن كان الغرض هو الهدف الوصول لشخصية الكاتب وفكره من خلال نصه ومع ذلك فلن نفلت من الأخطاء حيث أبواب التلقي مع معطيات الحضارة والعصر غيرت الكثير من المفاهيم. قد يعيش الكاتب في حجرة في قرية نائية ولكن من خلال الشبكة العنكبوتية والقنوات الإعلامية وكذلك القصص التي يسمعها ويقرأها عن العالم حوله قد تجعله يتناول في نصوصه أجواء وملامح مدينة لم تطأها قدماه على الإطلاق إلا من خلال العالم الإفتراضي إن صح التعبير العالم الآن أصبح بحجم ميناء ساعة على معصم اليد، وليس في هذا الوصف مبالغة بل واقعية وعلمية أيضا؛ً بمنظور التطور التقني و التطبيقات الذكية التي نتفاعل معها وتتفاعل معنا كما جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية.
عزيزي القارئ ليس من الحكمة والإنصاف ونحن على عتبة الألفية الثالثة بعد الميلاد أن نعتمد التمييز من حيث الجنس مذكر ام مؤنث في أداء أي مهنة كانت أو ممارسة أي هواية. المجالات مفتوحة للجنسين وكل حسبما يجد لديه الرغبة والإمكانية في التعاطي والتلقي والتعبير. ليس هناك قسر لعمل إبداعي لجنس عن الآخر. طالماً أن الإبداع سوف يظهر ملكة كليهما فما على مجتمعاتنا إلا التشجيع لأخذ الأفضل منهما بشكل يسهم في الثقافة والحضارة التي ينتمي إليها المبدع أياً كان.
الأدب الإنساني نتاج تجربة إنسانية لا تميز بين الإختلافات الش كلية أو البيئية ولا القبلية ولا الجينية...الخ، يبقى أمامنا نصوص تحوي فكر وثقافة ولغة نعيشها مع كاتبها.
آن الصافي - أبوظبي