تُطلق الحداثة غالباً على الحديث، أو كُل مستحدث أو مُجدَّد، وهي في اللغة مصدر من الفعل حَدَّثَ، وهي على النقيض من كلمتي قديم عتيق، وقد برز المصطلح لدى المفكرين والمثقفين على وجه الخصوص لوصف الحالة التي صبغت أوروبا من حيث التطور الشامل في شتى المجالات سواء كان ذلك على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو حتى على المستوى الثقافي، ومن خلال ذلك المصطلح صار من الممكن للمفكرين والمؤرخين تقسيم التاريخ إلى عدة أجزاء على النحو التالي: ما قبل التاريخ، التاريخ القديم، العصور الوسطى، العصر الحديث، ما بعد العصر الحديث. لقد تهيأت في عصر الحداثة الكثير من الاكتشافات العلمية والعملية، وتولدت أفكار ثقافية ونظريات اجتماعية وظهرت قراءات دينية حديثة ومتطابقة مع لغة العصر وتغيرت الكثير من مواقع القوى والسلطات السياسية وهذا ما أظهر الكثير من التغيرات والتعقيدات في حياة الناس وعلاقاتهم ببعضهم، وأدى إلى ظهور مزيد من التيارات الاجتماعية التي عززت أو قللت من الطبقيات في المجتمع الواحد أو بين مجتمع وآخر.
وقد اختلف المؤرخون في تحديد النقطة البادئة منها «الحداثة» أو «العصرنة» كما يسميها البعض، فمنهم من يرى أن الحداثة كانت بالثورة العملية حين اخترع غوتنبيرغ الطابعة المتحركة بينما ذهب كثير من المفكرين إلى أن البداية الحقيقية للحداثة كانت مع بداية الثورة ضد الكنيسة عام 1520 م.
لذلك عرف كانط الحداثة قائلاً: «الأنوار خروج الإنسان من حالة الوصاية التي تسبب فيها بنفسه والتي تتمثل في عجزه عن استخدام فكره دون توجيه من غيره» وقد ظهر تعريفه للحداثة الكثير من التعريفات والرؤى والنظريات من قبل رواد العدالة الاجتماعية الذين يرفضون الإقطاع والطبقية والتصنيفات الاجتماعية أو الدينية، وبعد ذلك بثلاثة قرون ظهر في الاقتصاد خطين متوازيين هما الرأسمالية والاشتراكية تدعم كل منهما الكثير من النظريات التي ألهبت خيال المفكرين الذين تحرروا من سلطة (روما) وبدأوا التفكير العقلاني وأعادوا صياغة الكثير من نظريات الاقتصاد ونظم الدول الحاكمة وكان ذلك تقريباً هو بداية عصر التنوير، هذا على الرغم من أن التغيير هنا بإخراج الدين من دائرة الحوار لم يكن هو التغيير الوحيد.
لقد خضعت الحداثة لعدة سمات أساسية تشمل «التقنية والعلم والرياضة وارتباط الفن بالجمال وتوهج الثقافة وأفول المعاني القدسية من (الموروث) الشعبي الوهمي» وارتبط المفهوم الحداثي بمبدأ الإنتاج، حيث يقول آلان تورين في كتابه نقد الحداثة: «الإنسان كائن منتج يحاول تغيير الطبيعة بآلاته، ساعياً من وراء ذلك إلى خلق التاريخ وتغييره، فالذات الإنسانية مرهونة على وجه الدوام بأفكار الخلق والعمل والعقل، تلك الأفكار المتيحة للجميع الدخول في العالم الحديث أي العالم المنتج والحر والسعيد»
وفي الاستقراء الإسلامي للفظة الحداثة فنجد نقداً لاذعاً للكلمة من بعض الكُتاب الإسلاميين إذ يرى بعضهم أنها من أشد وأخطر قضايا الشأن العربي المعاصر، حيث يرون أن الحداثة تعني التمرد على الدين والماضي والعادات والتخلي القيم والمبادئ ونزع الهوية الدينية والأدبية والثقافية وانتحال الشخصية الغربية، فيصبح الإنسان مسخاً تائهاً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!
ومن المفكرين الغربيين أيضاً من أخذ على الحداثة أنها نزعت بساطة الناس ونواياهم الحسنة وبدلتهم ليصبحوا أناساً أشبه بمكائن الصرف الآلي، يفتقدون للمشاعر، ودائماً في حياتهم أخذ وعطاء وكل شيء بمقابل، ولا شيء يفعل من أجل الإنسانية الحقة بضمير خالص ونية بيضاء.
وإن كان ثمة ما يحسب للحداثة فهو أنها ألغت قيماً كالتطرف، وجعلت الناس يراجعون موروثهم ويقارنونه بما وصل إليه العلم الحديث.
عادل بن مبارك الدوسري - الرياض - البريد الإلكتروني: aaa-am26@hotmail.com - تويتر: @AaaAm26