لم يشهد تاريخ البشرية مدا إلحاديا عارما كالذي شهده في ظل الحضارة المادية المعاصرة. كما لم تعرف بلادنا الإلحاد إلا في العقود الأخيرة، وقد شهدت البلاد مدا إلحاديا بعد ما أطلق عليه ثورات الربيع العربي»، هذا ما يؤكده الدكتور عمرو شريف من خلال كتابه» خرافة الإلحاد»، الذي ضمنه العديد من المحاور الشائكة والهامة، وهو يعرف الإلحاد بأنه ببساطة، إنكار وجود الإله.
ويقسم محتوى الكتاب إلى أربعة أبواب تضم أربعة عشر فصلا. الباب الأول يأتي بعنوان «العلم والدين والإلحاد»، ويشتمل على ثلاثة فصول: الأول الإلحاد المعاصر»، وفيه يتعرض الكاتب لنشأة الإلحاد المعاصر، والثاني «طبيعة العلم»، وفيه يستعرض مفهوم العلم وقدراته وحدوده، وفي فصل «صراع متوهم»، تبيان للتوافق العميق بين الدين وجذور العلم، وأنه لا يوجد بينهما صراع كما يتوهم البعض.
ويأتي الباب الثاني بعنوان «بين الإله والإلحاد»، ومن خلاله يطرح المؤلف أهم الظواهر الكونية والبيولوجية والإنسانية والغيبية، ويبين كيف ينظر إليها كل من المؤمنين بالإله والملاحدة، وحجج كل من الفريقين. وتجيء الفصول من الرابع إلى التاسع تحت عناوين:» الكون بين الإله والإلحاد»، «الحياة بين الإله والإلحاد»، «التصميم والتطوير بين الإله والإلحاد»، العقل بين الإله والإلحاد»، «الألوهية-الدين-الأخلاق، بين الإله والإلحاد.
فيما يتناول الباب الثالث وهو بعنوان «مستنقع الملاحدة»، أفكار الملاحدة في الغرب والشرق. وقد خصص الكاتب الفصل العاشر وعنوانه «ريتشارد دوكنز، حادي الملاحدة الجدد»، لعرض أفكار زعيم الملاحدة الغربيين الجدد ومنهجه الفلسفي وللرد عليهما وتفنيدهما، واستعرض في الفصل الحادي عشر، فكر أشهر أتباع دوكنز وأهم مؤلفاتهم تحت عنوان» شراذم الإلحاد الجديد».
ويجيء الفصل الثاني عشر من الكتاب بعنوان «الإلحاد في العالم الإسلامي»، والذي ناقش من خلاله تاريخ الإلحاد في البلاد الإسلامية منذ حروب الردة حتى الإلحاد المعاصر بين الشباب. ويختتم بالباب الرابع عشر والأخير» مع الله». ويتناول من خلال الفصل الثالث عشر والذي حمل عنوان» الطريق إلى الله»، الرحلات الإيمانية لأربعة من كبار المفكرين، والتي شكلت فيما بينها نسيجا شمل معظم ملامح المنظومة الإيمانية وهي: (رحلة سير أنتوني فلو، رحلة الدكتور جيفرى لانج، رحلة الدكتور مصطفى محمود، رحلة الدكتور عبدالوهاب المسيري).
ومثّل الفصل الرابع عشر والأخير» الخروج من المستنقع»، حصادا لفصول الرحلة، وعرض لخطوات الخروج من مستنقع الإلحاد إلى فردوس الإيمان، مع طرح لأهم واجبات المسلمين في هذا الزمان، وهو تجديد الفكر الإسلامي.
ويعالج الكتاب، خرافة الإلحاد، من خلال مشروعين فكريين كما يقول صاحبه هما: ضرورة تجديد الفكر العلمي، بحيث يدرك العلماء أن ليس بين العلم والدين تعارض، بل هناك توافق عميق، مصدره أن جذور العلم الحديث مستمدة من الدين، وأن يدركوا أن التوصل لآليات الظواهر العلمية لا يتعارض مع وجود غائية وراءها. وبذلك يسلمنا العلم في آخر المطاف إلى القول بالوجود الإلهي الخالق لهذا الوجود ومدبره وحافظه. إضافة إلى «تجديد الفكر الديني، بحيث يفرز خطابا دينيا يمثل عامل جذب بعد أن أصبح الخطاب السائد عامل طرد من دائرة الإيمان. وذلك امتثالا لحديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.
ويرى الكاتب أنه عبر تقصي مسببات الإلحاد، وتاريخ ظهوره، واكتشافه، وأعراضه وعلاماته، ومضاعفاته، والوقاية منه وعلاجه، يمكن تحقيق نجاح أكبر في استئصال شأفة العلة ويمنح ذلك المتلقي مناعة أقوى ضد شكوك النفس، وقدرة أكبر على التصدي لما يطرح عليه من شبهات إلحادية.
وفي محاولة للإجابة على سؤال: لمن هذا الكتاب؟
يقول شريف بأنه كتب في حصاد كتابه «رحلة عقل»، أنه يخاطب أحد خمسة عقول، لا شك أن القارئ يمتلك أحدها وهم: «متدين يريد أن يرقى بإيمانه من إيمان الميلاد إلى إيمان اليقين، و»متدين غابت عنه حقيقة الإنسان كموجود متكامل من جسد وذات غير مادية (روح/ نفس/ قلب/ عقل). ومن ثم نظر إلى الإنسان نظرة عوراء، لا ترى فيه إلا مادية متدنية أو روحانية منفصلة عن الواقع. إضافة إلى «متدين يظن أن فهمه للدين الذي تربى عليه» تمام التمام»، فلم ينزل العقل والعلم منزلتهما في منظومة الإيمان. ومتدين يبهره ما يردده الملاحدة من (كلام كبير)، حول مساهمة العلم في تأكيد المفاهيم الإلحادية، فيغمره شعور بالنقص لانتمائه حسبما يعتقد لهذه الطائفة المتخلفة (المتدينين)، عوضا أن يغمره الشعور بالزهو.
وأخيرا الكتاب بحسب مؤلفه موجه لملحد أو متشكك، اتشح بالعلم، عن كبر أو عن جهل، ورأى فيه برهان الإلحاد، بدلا من أن يرى فيه أدلة الإيمان.
شمس علي - الدمام