حتى في الأدب تشتم رائحة الموت، هذا مالم تستطع جائزة نوبل تجاهله، فالدماء التي يفيض بها العالم أصبحت أدباً، رغم أنه ليس أدبا بالمعنى المتعارف عليه من شعر ورواية لكن إعادة توثيق حروب وشهادات وأحداث دامية وهذا مايتوافق مع الأزمة السياسية الحالية بالشرق الأوسط والدور الروسي في أرض عربية.. فقد حصلت الكاتبة الصحافية سفيتلانا ألكسيفيتش جائزة نوبل للأدب عن «كتاباتها متعددة الأصوات التي كانت شاهد عيان على المعاناة والشجاعة في عصرنا» هكذا جاءت كلمات سارة دانيوس رئيس الأكاديمية السويدية إشادة بها.
تعمل سفيتلانا كاتبة صحفية وروائية تكتب مواضيعها باللغة الروسية وهي أول مواطنة من (بيلاروسيا) تحصل على الجائزة وتسلسلها هو 14 بين جميع النساء اللواتي حصلن على جائزة نوبل في الأدب، يصف الكاتب الروسي (ديمتري باكوف) كتاباتها بأنها توثيق للتاريخ العاطفي للفرد السوفييتي، وتحدثت هي شخصياً عن ماتكتبه قائلة: «إذا أعدت النظر إلى كامل تاريخنا السوفييتي وما بعد السوفييتي فهو مليء بالقبور وحمّامات الدم والحوارات الأبدية بين الجلادين والضحايا، والأسئلة الروسية اللعينة عما يجب القيام به، وعلى من يقع اللوم؟ على الثورة.. أم معسكرات الاعتقال، أم الحرب العالمية الثانية.. أم الحرب السوفييتية الأفغانية المخفية عن الناس؟ أم على سقوط إمبراطورية عظيمة، وسقوط الأرض الاشتراكية العملاقة في أبعاد كونية؟.. كارثة تشيرنوبل ليست إلا تحد لجميع الكائنات الحية على وجه الأرض.. هذا هو تاريخنا وهو موضوع كتاباتي، وهذا هو طريقي يا دوائر الجحيم من إنسان لإنسان».
في الثلاثين أو الأربعين الماضية كانت ألكسيفيتش مشغولة برسم المواطن السوفييتي والحديث عن تحولاته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولكن ما قدمته لنا ليس تاريخاً للأحداث فحسب، بل تاريخاً للعواطف، حيث تقدم لنا في الواقع العالم العاطفي، في أشد الحروب والكوارث، على سبيل المثال كارثة تشيرنوبيل، والحرب السوفيتية في أفغانستان، وكذلك تحاول اكتشاف دواخل الأفراد السوفييت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فقد أجرت الآلاف والآلاف من المقابلات مع الأطفال، والنساء والرجال، وبهذه الطريقة فهي تقدم لنا تاريخ البشر الذين لم نكن نعرف عنهم الكثير، وفى الوقت نفسه تقدم لنا تاريخا من العواطف، تاريخا من الروح».
تقول ألكسيفيتش، يتحدثون في كتبي حول الأحداث الرئيسية، كالحرب وتشرنوبيل، وسقوط إمبراطورية عظيمة، هؤلاء الأشخاص يسجلون تاريخ البلاد، لكنني لا أسجل بشكل جاف الأحداث والوقائع، بل أكتب تاريخاً من المشاعر الإنسانية. ما ظن الناس، وما فهموا وتذكروا، أوهامهم وآمالهم ومخاوفهم، أفر من التفاصيل الحقيقية، وأسجل العواطف.
كتاب «المرأة ليست وجها للحرب» في هذا الكتاب تقابل أمهات مصابات بالانهيار قبالة توابيت أبنائهن تصوير عميق لصرخات الحرب بهذا استطاعت أن تترجم رائحة الموت لنا، الجنود، التوابيت، الخوف، الاستبداد، الشيوعية، كلها عناصر أساسية لأعمالها وذلك ماميّزها، وبما أن الأعمال الروائية هي من تنقل لنا أدق تفاصيل الحياة، كانت ألكسيفيتش هي العصب الناقل لمعاناة الفرد في الاتحاد السوفييتي ونقلت مشاعر الألم التي شعر بها الناس في تلك الحقبة، وأبرز أعمالها «الشاهد الأخير» و»مسحور بالموت»، «أصوات من تشيرنوبل»، «زمن مستعمل» رغم أنه لايوجد إلى الآن عمل لهذه الكاتبة مترجم للعربية لكن نتمنى أن نقرأ لها في القريب العاجل.
أحلام الفهمي - الدمام