المقصود هنا الأستاذة الدكتورة وسمية عبدالمحسن محمد المنصور الزميلة المعروفة في الوسط الأكاديمي في الرياض وفي الوسط الاجتماعي.
حين جاءت أ.د.وسمية المنصور إلى جامعة الملك سعود للتدريس في قسم اللغة العربية عام 1406 - 1986، كانت مؤهلة ليس فقط بشهادة الدكتوراه وإنما كانت لديها خبرة سابقة بالتدريس وبالعمل الإداري المتصل بالجامعة.فقد سبق أن درست في جامعة الكويت، وسبق أن عملت عميدة لكلية البنات في جامعة الكويت (1984- 1985).
كان الجو الإداري والتقاليد الجامعية في جامعة الملك سعود في قسم اللغة العربية تختلف في بعض الجوانب عما هو موجود في جامعة الكويت وأيضا تختلف عما هو موجود في جامعة القاهرة وجامعة عين شمس. وإلى هذه الجامعات الثلاث تنتمي الدكتورة وسمية المنصور على نحو ما. فهي تنتمي إلى جامعة الكويت بحكم العمل فضلا عن كون الكويت هو الوطن الأم؛ وتنتمي إلى الثانية (جامعة القاهرة) بحكم الدراسة الجامعية في مرحلة الحصول على درجة (البكالوريوس) ومرحلة الحصول على درجة (الدكتوراه)، وتنتمي إلى الثالثة في مرحلة الحصول على درجة الماجستير. أيضا تختلف التقاليد الاجتماعية في الرياض نوعا ما عما هو موجود في الكويت، وتختلف اختلافا ملموسًا عما هو موجود في القاهرة. لكن وسمية المنصور استطاعت أن تتأقلم مع ما هو موجود في الجامعة والمجتمع، بل واستطاعت أن تجعل الكثير من الزميلات والطالبات يشعرن نحوها بكثير من الحب والإعجاب.
على المستوى الشخصي لم أكن أعرف د.وسمية المنصور معرفة جيدة إلا حين جاءت للعمل في قسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود بالرياض. كنت آنذاك قد عينت حديثا وكيلة لها بعد عودتي مباشرة من البعثة للدراسة في مرحلة الدكتوراه. لكن بعد ذلك جمعتني والدكتورة وسمية زمالة في هذا القسم كل هذه السنين. وأحسب أني عرفتها أكثر وأكثر من خلال هذه الزمالة.
وفي هذا السياق الذي لا يمكنني إلا أن أكتب شيئا موجزا عنها ساتناول ناحيتين: إحداهما الناحية الأكاديمية والثانية هي الناحية الاجتماعية.
أولا: الناحية الأكاديمية:
إذا كانت د. وسمية المنصور جاءت إلى جامعتنا وهي تنتمي إلى ثلاث جامعات من قبل، لقد أصبحت اليوم تنتمي أيضا إلى جامعتنا في قسم اللغة العربية. فهي قد درسّتْ النحوَ والصرفَ وغيرهما، وتتلمذ على يديها عدد كبير من الطالبات ممن درسن اللغة في هذا القسم في درجة البكالوريوس، وأشرفت على عدد ليس بالقليل من الرسائل العلمية في القسم التي تقدم بها معدوها لنيل درجة الماجستير والدكتوراه إلى جانب مشاركاتها في النقاشات العلمية سواء في نقاش رسائل الماجستير والدكتوراه أو غيرها.
من جانب آخر نجد بحوثها تشهد لها بالاهتمام العلمي. ولن يمكنني السياق هنا من الحديث عن هذه البحوث بالتفصيل، ولكن سأشير إليها إشارات موجزة فللدكتورة وسمية بحوثها في مجالها المتخصص في اللغة والنحو مثل البحث «عيوب الكلام - دراسة لما يعاب في الكلام عند اللغويين العرب» (منشور في حوليات كلية الآداب، الحولية السابعة، 14-6-1986الرسالة 38)؛ و»كان وأخواتها من المعجمية إلى الوظيفة». (منشور في مجلة كلية دار العلوم –جامعة القاهرة 2006)؛ و»ظاهرة التعدد في الأبنية الصرفية «(منشور ضمن إصدارات مجلة كلية الآداب –جامعة الإسكندرية الإصدارة الأولى 2005 العدد 54ص1-49). هذه البحوث الثلاثة المتصلة باللغة والنحو والصرف تقع في الصميم من تخصص الدكتورة الباحثة.
لكن د. المنصور لا تقتصر بحوثها على مجال التخصص العلمي وحده؛ كما أن بحوثها العلمية ليست مقصورة على النواحي التقليدية في البحث، تناولت بحوثها تتصل بالدراسات الحديثة في اللغة مثل «قراءة تداولية في محاورة الحجاج وغلام من أهل الكوفة « منشور في الكتاب التذكاري عن المرحوم أ.د. أحمد مختار عمر (قسم اللغة العربية وآدابها –كلية الآداب – جامعة الكويت 2008). هذا البحث واضح فيه أثر المناهج الحديثة، فالنص يعود إلى كتب التراث مأخوذ من كتاب الهفوات النادرة لأبي الحسن محمد بن هلال الصابي (ت) لكن الباحثة تقدم قراءة تداولية له. هذه القراءة تجعل الموضوع ثرياً من نواحٍ عديدة. فالنص من خلال هذه القراءة التداولية يتسع ويتشعب ويخضع للتحليل في أكثر من جانب.
إلى جانب هذا يلفت النظر ما لها من بحوث جادة طريفة تتصل باللغة والحياة المعاصرة منها:
* «مستويات الاستعمال اللغوي في ساعات البث اليومي في القناة الأولى للتلفزيون السعودي» منشور في: مركز البحوث – جامعة الملك سعود 1424 - 2003). هذا البحث يتطرق إلى جانب عملي في البحث إذ يتناول النظر في اللغة المستعملة في التلفزيون السعودي. فالبحث يعتمد من جانب الوصف للغة ومستوياتها المختلفة في «القناة الأولى».
ومن جانب آخر يعتمد التحليل للاستعمالات اللغوية التي يرصدها في هذه «القناة».
لقد تعددت النواحي التي تناولتها د.وسمية المنصور في البحث العلمي فبعضها يتصل بالتربية وعلاقة الطفل باللغة مثل:
* «إشكالية التنمية والانتماء في لغة الطفل الروافد والعوائق» (منشور في: ثقافة الطفل- الهوية ومتغيرات العصر نادي مكة الثقافي الأدبي 147 - 1431هـ-2010م). هذا البحث يتصل بصميم الحياة العملية فهو يمس التربية والانتماء إلى الوطن، كما يلامس علاقة المجتمع باللغة في عصر أصبح التطور فيه سريعاً.
إن ما يقال عن كون البحوث اللغوية تتسم بالجفاف يناقضه تماما ما جاء في بعض بحوث الدكتورة وسمية.فهي لها بحوث تتوقف عند نواحٍ طريفة في التراث كما يظهر فيما يلي:
* «صورة المسن في التراث اللغوي» (منشور في عالم الكتب العددان الثالث والرابع 1426-1427 = 2005-2006 ص405-432).
هذا البحث يتناول ما جاء في كتب التراث اللغوي من صفات وسمات مختلفة للمسنين لكن تظهر فيه سمة الاتجاه الأدبي واضحة للعيان. فهو بحث يتناول بصورة قريبة من الاستقصاء ما أوردته كتب اللغة حول الإنسان حين يتقدم به العمر؛ لكنه لا يقف عند النواحي اللغوية وحدها وإنما يعنى بتسجيل ما ورد في هذه الكتب من أشعار ومقولات تتضمن صفات للمسنين، بعضها يحمل الشكوى وبعضها يحمل الحكمة. لكن الباحثة لا تقتصر على ما ورد في هذه الكتب وحدها وإنما تستعين أيضا في ثنايا البحث بما ورد عن التقدم في العمر وعن أثره على الإنسان في مؤلفات متخصصة حديثة علمية. تظهر الباحثة ليست مجرد ناقلة أو مهتمة برصد ما ورد عن المسنين في المعاجم وكتب اللغة والأدب وما يماثلها من معلومات أسطورية وتذكره على علاته، وإنما هي تتوقف في أكثر من موضع لتثير الشك في روايات كثيرة يصعب تصديقها على العقل.
* «وقفات مع النوادر والملح العربية» منشور في الكتاب التذكاري للمرحوم أ.د. محمد رجب النجار (قسم اللغة العربية وآدابها-كلية الآداب – جامعة الكويت 2006. ص 263- 292).
في هذا البحث تتوقف الدكتورة وسمية عند عديد من كتب التراث لتنظر فيما ورد فيها من جانب أو جوانب تتصل بالنوادر.وهي تقرر أن «كتب الأدب العربي على مختلف عصوره وصنوفه، المجالس والمقامات والهفوات النادرة وكتب النقد والبلاغة والمعاجم.. إلخ وكتب التاريخ وسير الرجال وكتب الحديث النبوي، وكتب العلوم الطبيعية وحتى كتب التفسير وأسباب النزول تجد فيها شيئاً من الملح متناثراً هنا وهناك» ص263.
هذه الوقفات عند النوادر والملح تمثل سجلاً لما تحمله كتب التراث من التفات إلى ناحية التخفف من ثقل الحياة والتوقف عندما يبعث المرح في النفس.
* «المرأة المحاورة – قراءة في التراث» منشور في مجلة عالم الفكر (مج 34 أكتوبر- ديسمبر 2005)؛
«تتخذ وسمية المنصور في هذا البحث جانبين أحدهما إيراد مقولات المرأة في الحوار التي ذكرتها كتب التراث ونسبتها لنساء؛ والثاني النظر في هذا الموضوع من ناحية موضوعية، فهذه المقولات ليس هناك ما يثبت تماماً أنها حقاً قالتها نساء لكن ما يعني البحث فيها هو أنها وردت في كتب التراث منسوبة إلى نساء وهذا يكفي. فالباحث في هذا المجال ليست مهمته مهمة المؤرخ أن يؤكد أن هذه الأشياء حدثت حقاً. مهمة الباحث هنا هو أن يعتمد ما ورد في كتب التراث منسوباً للمرأة، سواء كان حقا قالته امرأة أم أنه قيل على لسانها. مثل هذه الأقوال وهذه الأفكار المنسوبة إلى نساء. يبرز الجانب الأدبي فيها كما تظهر من خلالها الصور الأدبية للنساء سواء أكانت تعكس صورة حقيقية للمرأة أو صورة متخيلة. وإن كان بعض القصص مأخوذا من كتب النحو وكتب اللغة وكتب التاريخ.
عند تأمل البحوث السابقة نجد سمة الاتجاه الأدبي تظهر واضحة للعيان في معظمها، وإن أدرجت ضمن البحوث اللغوية.
- ثانياً الناحية الاجتماعية:
عند النظر في السمة الاجتماعية عند وسمية المنصور- كما تظهر لعيني - تبدو هذه السمة بارزة جدا، فالدكتورة وسمية تثير الدهشة في قدرتها البارعة على اكتساب الصداقات على اختلافها.
فالدكتورة وسمية متحدثة بارعة ولها صداقات عديدة مع فئات مختلفة من الناس، ومتفاوتة. وقد ظل بيتها في الرياض دوماً عامراً بالناس صديقات وزميلات ودارسات وغيرهن. والعمل في الجامعة هنا وفي الكويت يتيح صداقات مع أناس لا يقيمون في بلادنا إلا أمداً محدوداً ثم يعودون إلى بلادهم. لكن د.وسمية من فئة من الناس تحرص على استمرار الصداقة فصداقاتها لا تنقطع بالغياب، وليست صداقاتها محصورة في فئة من الناس دون فئة لكنها تشمل كل من ربط بينها وبينهم رباط المودة. فوشائج الصداقة تظل غالبا تربط ما بينها وبين بلاد كثيرة حيث توجد هؤلاء الصديقات، هذه السمة الاجتماعية تظهر بوضوح في علاقاتها مع الطالبات فعلاقاتها مع الطالبات تبدو حميمة وتتسم بود كبير. ولعل الطالبات عند د. وسمية المنصور أكثر قدرة على تبيين أسلوبها في اكتساب ودهن.
لكن - ما يغلب على الظن - أنها موهبة منحها الله لـ د. وسمية وليست مهارة تعلمتها ثم أخذت في تنميتها.
أشعر أن مكان وسمية المنصور الروحي سيظل خالياً في القسم.
سعاد المانع - أستاذ بقسم اللغة العربية