حين أزمعت أن أكتب لمعة خاطفة عن الحياة العلمية للقديرة الفاضلة الأستاذة الدكتورة وسمية المنصور تهيّب قلمي الكتابة خشية أن يبخسها حقها أو يقصر عن الوفاء بقدرها، فقد شرفت جامعة الملك سعود بانضمام الدكتورة وسمية إلى قائمة أعضاء هيئة التدريس بقسم اللغة العربية (الآداب) مدة ثلاثين سنة، بعد أن عملت في جامعة الكويت عشر سنوات، لم تكن خلال تلك السنوات نموذجًا للعطاء العلمي فحسب، بل كانت ينبوع أخلاق عظيمة أذهلتني وزميلاتي منذ المحاضرة الأولى التي شرعَتْ تشرح فيها سياستها العلمية والخُلقية بحنان وتواضع جم، ثم أثبتت سنين الدراسة التي تلقينا فيها علمي النحو والصرف على يديها صدق تلك الكلمات النابضة بالحب، الصاخبة بالود ولين الجانب، حتى لقد كانت تقف فينا المخطئة بين يديها وقوف الابنة أمام والدتها وهي توجهها بأسلوب تربوي فاضل، لم تكن تدخر وقتًا أو جهدًا في التوجيه والتعليم والإرشاد والحرص على الطالبة، ولازلت أذكر كيف كانت بعض الطالبات المستجدات التائهات في الأسبوع الأول من كل فصل دراسي يطرقن مكتبها ضمن مكاتب أخرى كثيرة، يبحثن عمن يجيب عن استفساراتهن ويوجههن الوجهة السليمة، فكانت هذه الفاضلة تستقبلهن في مكتبها بابتسامة مشرقة ملؤها الحنان، وترشدهن بكل ودّ ورقي ورحابة صدر، في الوقت الذي كانت تشكو فيه بعض الأستاذات – في ذلك الأسبوع- من كثرة طرق الطالبات لمكاتبهن واستعلامهن عن أمور هي في الحقيقة من اختصاص وحدة الإرشاد الأكاديمي.
أما عطاؤها العلمي فلا تفي هذه السطور الموجزة عن وصفه، لقد علمتنا منذ الوهلة الأولى كيف نكون باحثات لا مجرد متلقيات، كيف نعشق الاستزادة من المصادر العلمية المتنوعة لا مجرد أن نقف على المقرر الدراسي، فعرفنا الطريق إلى مكتبة الجامعة، وتعلمنا كيف نكتب بحثًا قصيرًا أو رسالة علمية، كيف نتحمل ونكابد من أجل العلم، وإني أشهد الله أني أدين لها بكل ما تعلمته على يديها وفهمته من قواعد علم الصرف خاصة، فكم قرأت في هذا العلم من كتب شتى تضج بتلك القواعد الصرفية التي يستثقلها أكثر الدارسين، فما شفت غلة عندي ولا قضت وطرًا, حتى جلست في رواق ذلك الفكر الفذ وهو يشرح ويلقن بتلك الطريقة العلمية المبهرة التي رسخّت في أذهان الدارسات مبادئ هذا العلم في أسلوب تحليلي منظم سهل تشويقي.
لم تقصر الدكتورة وسمية عطاءها وإنتاجها البحثي على المناهج اللغوية التراثية التقليدية وإنما جمعت بينها وبين المناهج اللسانية الحديثة، وتنوعت اهتماماتها العلمية فألفت كتبًا وبحوثًا متعددة في الصرف والنحو واللهجات، أذكر منها في مجال الدراسات النحوية التراثية:
- «ليس» بين الفعلية والحرفية
- «كان» وأخواتها من المعجمية إلى الوظيفية
وفي مجال علم الصرف:
- صيغ الجموع في القرآن الكريم
- أبنية المصادر في الشعر الجاهلي
- ظاهرة تعدد الأبنية الصرفية
- نقل الحركة في الصحيح
ولها في قراءة التراث:
- عيوب الكلام
- المرأة المحاورة – قراءة في التراث.
- محاورة بين الحجاج وفتى من أهل الكوفة
- الطرائف اللغوية
- الخطاب غير المنطوق في ديوان عمر بن أبي ربيعة «محور البصر».
- صورة المسن في التراث اللغوي
ولها في دراسة اللغة المعاصرة:
- مستويات الاستخدام اللغوي في التلفزيون السعودي
- من مستجدات اللغة المعاصرة (العربيزي)
- رسائل الجوال
- مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة مجتمعية ومتغير حضاري
ولها في الدراسات اللهجية:
- أمثال القصيم: الصياغة والمضمون
- منظومة القيم الاجتماعية في الأمثال الفلسطينية
- توظيف المأثور القولي في تنمية لغة الطفل
للدكتورة وسمية أيضًا قلم صحفي مبدع، فقد كانت تستأثر بزاوية صحفية في صحيفة اليوم (1999- 2009م)، تناولت فيها موضوعات التراث والسياسة والمجتمع والجامعة.
وبعد هذه المسيرة الوارفة بالعلم والإنسانية تودع الدكتورة وسمية جامعة الملك سعود، لكن العلم الذي نهلناه منها، وفيض الحب والتقدير الذي غرسته في قلوبنا لها من طالبات وزميلات لن يودعنا ولن يودعها، ستظل نجمًا متألقًا في سماء الجامعة، وسماء الذكرى والذاكرة.
- د. عزة الشدوي