في موروثنا الشعبي الوسمية هي السحابة التي تَنْهَلُ بالمطر الغزير في زمن الوسم، وهذا المطر من أنفع الأمطار وأكثرها فائدة؛ إذ يأتي بالخير الوفير واليمن والبركة؛ فتأخذ الأرض زخرفها، وتنبت شتّى أنواع النبات الذي يفيد الأنام والأنعام. وكما يقال لكل من اسمه نصيب، فالدكتورة وسمية المنصور لها من هذا الاسم أكبر نصيب، فقد كثر عطاؤها وتنوّع، وقدّمت الخير الوفير لمجتمعها؛ فأينع عطاؤها، وعلا غرسها.
ولست أدري بماذا أستطيع أن أتحدّث عن أمّ أوس، فالحديث عنها لعسير؛ لأنه أوسع من صفحات معدودة، وهل يجمع البحر في ساقية، أو يختصر السفر في وريقات؟! فلا يمكن أن أفيها حقّها في حديث وإن طال، ولكن حسبي أن أشير إلى بعض الإضاءات في فكر الدكتورة.
أقول هذا لأفصح عن تقديري الشديد لأختي أم أوس، لقد سعدت بزمالتها في قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود سنوات عشرين، الأصدقاء كثر لكن لأم أوس مكانًا أثيرًا خاصًّا، ربما كان ذلك لتقارب الفكر والمنهج عرفت فيها الأديبة الأريبة، في حديثها عذوبة وطلاوة، وفي تآليفها صدق وبراعة، وفي شخصها الجدّ والإتقان، والالتزام والإخلاص والتفاني في العمل.
كانت أستاذة جامعية لامعة، وباحثة جادّة، تخوص في بحر اللغة؛ لتلتقط اللآلئ والدرر، لقد بلغت في العلم شأوًا بعيدًا، جمعت بين التراث والمعاصرة.
كانت باحثة تراثية خبرت علم النحو والصرف، واستقتهما من مناهلهما الأصيلة، وصنّفت كتبًا فيهما، وكانت باحثة حداثية، درست علم اللغة الحديث، وأتقنت فنونه، ونصبت جسرًا يصل حاضر هذا العلم بأصوله التراثية، وكتبت بحوثًا فيها الجدّ والطرافة، وفيها الأصالة والمعاصرة في تحقيق علميّ رصين ربط التراث بمعطيات علم اللغة الحديث.
لم تكن متعصّبة للقديم لكنها كانت عاشقة له، ولم تكن منكرة للحديث بل كانت مولعة به؛ فجاءت أبحاثها مزيجًا بديعًا من تراث هذه اللغة، وممّا استجدّ من لغويّات حديثة، وفق منهج يجمع بين اتجاهين؛ فيثمر علمًا غضًّا ضاربًا بجذوره إلى أوائل علم النحو والصرف، وتمتد فروعه لتأخذ من الألسنيّة بنصيب وافر؛ فيشعر من يقرأ بحوثها بالمتعة والفائدة في آن واحد.
لقد نشرت ما يربو على عشرين بحثًا في مجلات متخصصة، وفي حقول متنوّعة، كما شاركت في العديد من المؤتمرات العلمية، والندوات الفكرية، وكذلك هي عضو في كثير من الجمعيات العلمية والاجتماعية والأدبية، وشاركت في برامج تلفازية وإذاعية، وحصدت شهادات شكر وتقدير من جهات مختلفة.
وكانت تتحف طالباتها بروائع علم التراث وبدائع علم اللسانيّات.
وتقدم لهن وخاصة في الدراسات العليا عصارة علم تكوّنت عبر سنوات من البحث العلمي والاطلاع في أسفار علم الأوائل وكتب المحدثين؛ لتنقل لهنّ تجربتها الطويلة في مجال البحث العلمي، ولتكوّن منهنّ باحثات واعدات يستلمن الراية بعدها. وأشرفت على كثير من الرسائل العلمية ( الماجستير والدكتوراه )، وشاركت في مناقشة الرسائل العلمية المتنوّعة.
وكان لها حضورها المميّز في اللجان وجلسات القسم، تثري النقاش بما أوتيته من فصاحة وحسن منطق، وجمال عرض وبراعة حوار، فلا يملك المرء إلاأن يسلّم لها لحسن آرائها وسدادها، وغالبًا ما تكون لتلك الآراء القول الفصل, ألم أقل في البداية: إنّها لوسمية!.
أ.د. أحمد مطر العطية - أستاذ النحو والصرف في قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود.