(الجزء الثالث)
حنين من وجع لازب.. هذا ما خلفه غيابك فيّ.. هو كالظل يهرب مني كلما حاولت الإمساك به.. ما زلت أقتفي أثر كلماته إلا في الوداع أضل السبيل.. حُزنه صعب يُشبه ملامح خط الأطباء في كتاباتهم لوصفات العلاج، لا يستوعبها سوى صيادلة الروح للروح..!
أنا وأنت لا نتعانق إلا بالظل.. والظل خوف آخر.. يزول سريعًا، ويعودُ عرجونًا تحمله أكتاف الانتظار.. وتميد به أرجل النَّصب.. وندنو كما الثلج فوق الورد يتدلى على استحياء؛ ليصافح غصنًا يتيمًا، لا يشتكي وجعًا ولا تنداحُ له مُقل..!
متى ما رُمتَ العودة إليّ ستجدني صابرة.. ولا أعصي لك أمرًا.. ولن أخذلك.. وإن خذلتني.. خذلانك لا يزيدني إلا وفاء وعفوًا وصفحًا.. ونسيانًا يتوارى لأجلك.. بل لأجل الذي بيننا.. لأجل الحب.. لأجل الأحلام التي تذروها رياح الانتظار.. مثلي لا يُعاتب مثلك.. سأغفر لك سابق ما مضى ولاحق ما سيأتي؛ لأن مفاجآتك مفاجعات أدمنتها جباه لم تُتل حين أبصرت سكينك في أفعالك..!
ردني إليك لأحيا.. قلتها وبي شغف هده التعب وأعياه الغياب.. يا أنت سعيتُ لسجيل حُلمي وطاف عني بطير أبابيله ترميني وتدميني بين صفا روحك ومروى روحي..!
أنا وأنت مسرحٌ بلا جُمهور.. أنا وأنت نهر عذب وبي عطش وبك.. وكلانا لا يستطيع سقيا الآخر إلا بمدد الحروف حين تتقطع أواصر نبضينا.. أنا وأنت نلتقي لنفترق.. ونفترق لنلتقي.. نتسابق العناق فيتسامق الموج دوننا فلا نصل إلا بيدك الملوحة للوداعات الحائرة وارتجافات القلق..!
نُحب بعضينا كالمطر إذا دنا، وكالحجر إذا نأى.. وتحت المطر نغدو غرباء كأنا لم نكن.. وننسكب قطرة فقطرة دون أن نذوب معًا إلا في انصهار الذكريات التي لا تفتأ أزًا..!
الرجال يتشابهون.. والنساء استثناء.. وكل الرجال يعمهون في أمرهن.. وحده الحب يجعل قلب الرجل قلب أنثى ووحدها جروح النساء للرجال تصدع جلاميد الصخور فيهم.. وحدها المشاعر تكسرهم وتجبرهم.
ارحل.. لكن لا تعود.. فكل الرجال يرحلون عن قلب الأنثى.. ووحدها الأنثى التي لا ترحل عن قلب الرجل إذا تمكنتْ لا تُنزع منه إلا موتًا ومواتًا وتماوتًا.. اخلعني عنك يا أنت بهدوء لا يُثقل ضجيج الأرض، ولا يوقظ السماوات السبع فيّ.. فنتكادر وتقوم قيامتنا..!
ليس كل شيء تريدهُ فيها.. وليس كل شيء تريدهُ فيكَ.. أوّاه، اكتشفت مؤخرًا أن قدميّ حنيفتان لم تعودا قادرتين على الركض خلفك..!
حُزن الرجل ليس كحزن المرأة.. فحتى الرجل له حظ الأنثيين في الحزن وللمرأة أضعاف ما يقبض!
أتمناك حضورًا يقضي على كل انتظار، ولا يُفضي إلى أشواط إضافية.. ولا إلى ركلات ترجيح تجعل صراطنا على حافة القلق يتأرجح..!
يا أنت.. متى ينام الحلم.. أخشى عليه من السهر والسهاد إذا غفا.. يا أنت ضمّ يديك إلى قلبي ستجدني على بعد المسافات كهيئة الطير بلله الوجع ونفضه حين التقى بمعارجك العرجاء عنوة..!
رجعتُ إليك البصر فما وجدت فطورًا.. ثم رجعته كرتين..فآب إليّ مُصافحًا رسول كلماتك..!
تُدنيني منك ثم تمضي عني.. حتى صار كل دنو منك ذنوبًا لا تستتاب.. وأندادًا حرة وهي في قيدها الذي هو أنت..!
هات يدك.. أعرني إياها ولو أن تربت فوق كتف يرتجف.. أعرني إياها وإن جف سلسبيل الوصل بيننا.. أعرني إياها لأني أحتاجني حين أمد يدي إليك ولا أجد يدك تمتد إليّ ولو بالإشارة.. كمن يصافح بعيدًا في أول الطريق ثم يأفل شيئًا فشيئًا خلف مآربه..!
(...) أصبح عمره شهرًا، وشاخ يوم رحيلك المفاجئ.. مؤلم أن يكون تاريخ من تنتظره هو نفسه تاريخ من رحل عنك.. حتى جغرافية القلب والذاكرة خالط دمعها دمها فابتذرا ما ترى من أسى..!
مهد لي بنهاية لا تُفجع فتوجع.. ولا تسرع فترجع كالبداية.. أريد نهاية تضيق بالعودة، ولا تسمع نجوى الحنين حين تهمس بالإياب..!
العاشرة بتوقيت أصابع يدي.. أصابع خيبتي معك.. أصابعي العشرة التي حاولت الإمساك بك فخانتها فروجك العرايا وقروحك الرزايا..!
كان احتفال اليوم السادس من شهر شوال أجمل من عيد الفطر.. كيف لا والمحتفى به (طاووس) خائف يترقب نهايته.. و(عروس) ذيل فستانها آسن بالشجن..!
بكاء الروح أشدُّ وطأة على النفس من الجسد وأثقل قِيلا.. لأن لا أحد يسمعهُ سواك.. ونجواه ترتد إليك صوتًا وصمتًا.. يُمزّق فيك أشياء كثيرة.. ويشوه جمالاً اكتسح شيبًا وتَجعّد بكساح الأماني.. هذا البكاء شفاء لكنه يأكلك على مهل حين يقترن بحزن دفين..!
أنت لا تُحب إلا نفسك.. ولا تحرض إلا حنينك عليَّ ليُجاهدني.. أما الطرف الآخر المُلقى في غيابة جب مزاجيتك.. تتحسسه متى ما اشتهيت.. وتصدف عنه متى ما انتهيت..!
هذه اليد التي امتدت لك.. أشتهي كسرها الآن.. كل شيء يتغير حتى الحب يموت بالإهمال ويذوي بالحرور.. يذبل إن لم يجد مَنْ يُشاركه ويتفاعل معه.. الحب تشابك وتشاجر أرواح.. لا تعارك مشاعر تنتهي بالجسد..!
حتى الظروف قد تتغير إلا ظروفك معي تتجدد وتزيد مددًا لأنك لا تريد.. وتحب أن تُسلي نفسك بها.. لتتعذر بها وقت القرار الأخير..!
العطاء من طرف دون طرف اقتدار لا يستطيعه إلا الندرة.. يتسع بالحِلم، وبه يضيق.. لكنه في المشاعر يوجع الموتى فكيف بمن هم فوق الثرى سائرون ويتنفسون على عجل.. يا أنت ليت للمشاعر قصاصًا.. ليت من يعتدي عليها يُقتص منه: يُجرم ويُغرم.. ويقتل في عرف الحب تعزيرًا..!
أناني لا تُحب إلا نفسك.. لا تبحث إلا عمّا تريد.. ستعرف في ظلام أيامك كيف يُفتقد البدر.. وستدرك في وقت متأخر بعد أن تعض إصبع إبهامك في كلتا يديك.. أنك ما أمسكت (بهالتك) كما ينبغي لك الإمساك.. وما سرحتها عنك كما ينبغي لك التسريح.. ولن تستطيع زحزحتها عنك حين يُزاحمك الحنين ويُفرط أنينه.. أنت علقتها بين عذابين.. ليس هناك أسوأ من قلبين جمعهما الحب.. ولأجله افترقوا..!
أترى مشاعرنا في الليل تمحوها أهازيج الصباح.. أم تحرقها الشمس إذا ما أسدلت على أحلامنا ؟!.. يومًا ما سيتشابه حضورك وغيابك.. بزوغك وأفولك.. يا أنت، وداعًا لأطفالي اليتامى الذين أسكنتهم بقلبٍ غير ذي زرع..!
تهاني العيدي - الرياض