قبل ظهور الإسلام كانت المعارك تدور سجالاً بين القبائل العربية والفرس، وكان النصر لقبيلة إياد في آخر معركة بينهما. لم يهن هذا النصر على الفرس، فأعد لهم كسرى جيشًا يقرب من ستين ألف محارب ليعيد الكرَّة.
كان لَقِيطُ بن يَعْمر الإياديّ يعمل كاتبًا في بلاط كسرى فثارت في نفسه نخوته العربية فنظم هذه القصيدة وأرسلها إلى قبيلته التي كانت تقيم في الجزيرة العربية –كما يقول ابن قتيبة- يحذرها من الغزو القادم.
يقول ابن دريد: إنه ليست هناك قصيدة تحذير نظمها العرب خير منها.
القصيدة
يادارَ عَمرةَ مِن مُحْتَلِّها الجَرَعَا
هاجَتْ ليَ الهَمَّ والأَحزَانَ والوَجَعا
يا أيُّها الراكِبُ المُزْجِي على عَجَلٍ
نَحْوَ الجَزيرَةِ مُرْتَادًا وَمُنْتَجِعا
أَبْلِغْ إيادًا وخَلِّلْ في سَراتِهِمُ
إني أرى الرأيَ إنْ لم أُعْصَ قد نَصَعا
يالَهْفَ نَفْسِيَ أنْ كانت أمورُكُمُ
شَتَّى وأَحْكَمُ أمرِ الناسِ ما اجْتَمَعا
ألا تَخافُونَ قَوْمًا لا أبا لَكُمُ
أَمْسَوا إليكُمْ كَأَمثالٍ الدَّبا سُرُعا
أبناءُ قَوْمٍ تَأوَّوكُمْ على حَنَقٍ
لا يَشْعُرُون أضَرَّ اللهُ أمْ نَفَعَا
أحرارُ فارِسَ أبناءُ المُلُوكِ لَهُم
مِنَ الجُموعِ جُمُوعٌ تَزْدَهِي القَلَعا
فَهُمْ سِراعٌ إلَيْكُمْ بين مُلتَقطٍ
شَوكًا وآخَرَ يَجْنِي الصَّاب والسَّلَعا
خُرزًا عيونُهُمُ كأنَّ لَحظهُمُ
حريقُ نارٍ تَرَى منه السنا قِطَعَا
لَو أنَّ جَمعَهُمُ راموا بِهَدَّتِهِ
شُمَّ الشَّماريخِ من ثَهلانَ لانصَدَعا
في كلِّ يومٍ يَسُنُّونَ الحِرابَ لَكُم
لا يَهْجَعُونَ إذا ما غافِلٌ هَجَعَا
لا الحَرْثُ يَشغلُهُم بل لايَرَون لهُم
من دُونِ بَيْضَتِكُمْ رِيًّا ولا شِبَعَا
وأنتُمُ تَحْرُثونَ الأرْضَ عن سَفَهٍ
في كُلِّ مُعْتَمَلٍ تَبْغُونَ مُزدَرَعا
أنتم فريقَانِ هذا لايَقومُ له
هُصْرُ اللُّيوثِ وَهذا هالِكٌ صَقَعا
وقد أظلَّكُمُ مِن شَطْرِ ثَغْرِكُمُ
هَولٌ لَهُ ظُلَمٌ تَغْشاكُمُ قِطَعا
ما لي أراكُمْ نيامًا في بُلَهْنِيَةٍ
وَقَدْ تَرونَ شِهابَ الحَرْبِ قَدْ سَطَعَا
فاشْفُوا غَليلي بِرأيٍ منْكُمُ حَسَنٍ
يُضْحي فؤادِي لهُ رَيَّانَ قَدْ نُقِعَا
صُونُوا جِيادَكُمُ واجْلُوا سُيُوفَكُمُ
وجَدِّدُوا لِلْقِسِيِّ النَّبْلَ والشِّرَعا
واشْروا تِلادَكُمُ في حِرْزِ أَنْفُسِكُمْ
وحِرْزِ نِسْوَتِكُمْ لا تَهْلِكُوا هَلَعَا
ولا يَدَعْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا لِنائِبَةٍ
كمَا تَرَكْتُمْ بِأَعْلَى بيشَةَ النَّخَعا
أّذكُوا العُيُونَ وراءَ السَّرْجِ واحترسوا
حتى تُرَى الخَيْلُ مِنْ تَعدائها رُجُعَا
فلا تَغُرَّنَّكُمْ دُنْيا ولا طَمَعٌ
لَنْ تَنْعَشُوا بِزِماعٍ ذلك الطَّمَعا
ياقومِ لا تَأْمَنُوا إن كُنْتُمُ غُيُرًا
عَلَى نِسائِكُمُ كِسْرى وما جَمَعا
هُوَ الجَلاءُ الذي يَجْتَثُّ أصْلَكُمُ
فَمَنْ رأى مِثلَ ذا رأيًا ومَن سَمِعَا
فَقَلِّدُوا أمرَكُم للهِ دَرُّكُمُ
رَحْبَ الذِّراعِ بأمرِ الحَرْبِ مُضْطَلِعَا
لامُشْرفًا إنْ رَخاءُ العَيشِ ساعَدَهُ
ولا إذا عَضَّ مكروهٌ بهِ خَشَعَا
مُسَهَّدَ النومِ تَعْنِيهِ ثُغُورُكُمُ
يَرُومُ مِنْها إلى الأَعداء مُطَّلَعَا
ما انفكَّ يَحْلِبُ درَّ الدهرِ أشطُرَهُ
يكون مُتَّبِعًا طورًا ومُتَّبَعَا
وليس يَشْغَلُهُ مالُ يُثَمِّرُهُ
عَنْكُمْ ولا وَلَدٌ يَبْغِي لَهُ الرَّفَعا
حَتَّى اسْتَمَرَّتْ على شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ
مُسْتَحْكِمَ السِّنِّ لا قَحْمًا ولا ضَرَعا
لَقَدْ بَذَلْتُ لًكُمْ نُصْحِي بلا دَخَلٍ
فاسْتَيْقِظوا إنَّ خير العِلْمِ ما نَفَعَا
هذا كِتابي إلَيْكُمْ والنَّذيرُ لَكُمْ
لِمَن رأى رأيه مِنْكُمْ وَمَنْ سَمِعَا
لَقِيط بن يَعْمُر الإيادي
(*) تنظر مقدمة الديوان.والقصيدة وشرحها في ديوانه بتحقيق عبدالمعيد خان.