ضياء عزاوي مبدع جمع التراث العربي
بصمتُه وروح خبرته .. تطور دون إخلال بالهوية
نصف قرن من الزمن جمعها الفنان ضياء عزاوي المولود بالعراق سنة 1939 في معرضه «مسار» الذي أقامه في غاليري كلود لومان الباريسية قبل عامين، جمع فيه الكثير من أعماله التي قدر له عرضها مع غياب الكثير بسبب الاقتناء أو التلف حضرت في المعرض أعماله الزيتية والغواش لكن الأبرز عددا من أعماله التي يحتفظ بها معتزا بكل لحظة تعيده للحظات تنفيذها كما يقول، معرض مسار يختصر مسيرة، بدأ من عام 1963كشف التنوع الثري الذي يتمتع به هذا الفنان الذي التقيت به في إحدى دورات آرت ابوظبي ودار بيني وبينها حوار كالوجبات السريعة التي تمنحك القليل من شبع لا يرضي الفضول ولا يمكنني من أن أتحدث عن حالات الإبداع الذي يتجدد ويبهرك بحيويته وكان من يقوم به لازال في عنفوان شبابه، الفن ضياء رجل.
خروج بروح الحرف إلى عالم الكتلة
وإذا كنا قد طرحنا في عدد سابق بعضا من تسليط الضوء على هذا الرمز التشكيلي العربي الذي تبرز عبقريته الإبداعية في كل قطعة من أعماله المتعددة التنفيذ في النحت والرسم، و الحفر،وتفرده في ما يخرجه ويشكله من كتب فنية تجمع بين شكل الكتاب والتكوين الفني، يسابق الحداثة ويؤطرها بهويته العربية مستلهما حضارته العربية القديم منها والجديد دون فصل أو نشاز، فنان متجدد بدأت تجاربه بالحروفية لكنه بعد مرحلة طويلة من المعالجة والبحث وجد أن طريقها مسدود فخرج بروحها وترك الجسد ليحيلها إلى كتل يشكلها ألوانا شرقية ومساحات تتلاقى أحيانا وأحايين أخرى تتنافر بين التكوير والاستطالة والتعامل مع المربع والمستطيل، يجمعمهم بتآلف يحمل إيحاءات جسدية تحمل تعبيرات ذات بعد بصري متقن تعبر عن الإنسان بكل حالاته.
• أعمال تحمل هموم الأمة العربية.
اشتهر الفنان ضياء عزاوي بالتعبير عن قضاياه العربية. منذ بداية السبعينيات، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، منها سلسلة اللوحات والرسوم التي أنجزها عام 1976م، مع ما سار عليه من تجارب أخرى لا تخرج عن سياق خط البحث والتقصي واستنباط الفكرة وتحويلها إلى عمل فني محسوس وملموس وباعث للدهشة والتأمل حيث برزت أعمال كثيرة أحال فيها نصوص أدبية إلى مشاهد تشكيلية تجمع النص بالشكل دون مطابقة أو تفسير لها كما هي أعماله الحروفية السابقة التي كان يستلهم روحه الخط العربي دون الالتزام بقواعده مركزا على دلالات أبعاده..
ما مر به الفنان ضياء العزاوي في مسيرته الإبداعية الفنية استطاع من خلالها إحداث توازن وتوافق وامتزاج بين العمل الفني كإبداع وبين ما يحمله من أبعاد إنسانية التحام فكري فني بمعطيات تجربة إنسانية فنية، متعمقا في هويته العربية والإسلامية واحتضانه لأجمل ما قيل من الشعر العربي القديم من خلال تلميحات وومضات، منها المعلقات والأشعار لكبار الشعراء، فأحالها من لغة مكتوبة ومقروءة إلى لغة قوامها الكتلة والألوان..
• تنوع في الشكل وتعدد المضمون.
لا شك أن الحديث عن هذا الفنان لا يمكن اختصاره أو بسترته في حيز صغير كهذه المساحة نتيجة كثافة إنتاجه وغزارتها، مع تنوع مصادر الهامة وتعدد مضامين أعماله العزاوي،فهو قادر على جذب المشاهد للشكل الظاهر وإقناعه دون تردد إلى الدخول في أعماق ذلك الشكل يأخذك نحو أبعد مسافة من التاريخ لكنك تقرأ العمل بلغة العصر.
عرفنا الفنان ضياء العزاوي فنانا يتعامل مع اللوحة المسندية لكن الكثير لا يعرف إبداعه في النحت وقد فوجئت نتيجة قصور متابعتي لجديد هذا الفن عندما أهداني كتابا يجمع العديد مما لا أعرفه عنه من أعمال نحت وتشكيل كتل وبخامات عدة وبأحجام كبيرة شاهدت إحداها في فندق من فنادق الأردن.
لقد أدهشني الفنان ضياء بحيويته عندما التقيه في كل مناسبة تقام في الإمارات العربية المتحدة خصوصا آرت دبي أو آرت أبو ظبي وبينالي الشارقة وكان آخرها مشاركته ضمن الصالات المستضافة في آرت دبي الأخير. ما تضمنه جناح أعماله من مستنسخات الجرافيك الأصلية، مع ما اشتمل عليه الكتاب من اسكتشات ورسوم تحضيرية لأعمال كبيرة كانت بحق لوحات مكتملة.
إن في تنوع أعمال الفنان ضياء العزاوي مهما اختلفت سبل تنفيذها أو خاماتها أو أحجامها لا تخرج من عباءته ولا عن هويته الخاصة وبصمته التي أصبحت بمثابة الإمضاء الخاص، فنان لا يتكرر في أي قطعة ولكنه يخرج منها وإليها، فنان وقع عقد بينه وبين إبداعه بأن يكون مخلصا له لا يحيد عن مساره بقدر ما يطوره، لا يطرح الفكرة أو ينفذ العمل عشوائيا أو كما تأتي نهايته بتلقائية أو ضربة حظ، وإنما يستند على أسس تبدأ من التخطيط المبدئي إلى تحويرها وتهيئتها لتوظيفها للخامة ومن ثم يتعامل معها بكل التفاصيل تطويعا وتشكيلا يخرج أحيانا ليعود إلى ما خطط له، أعمال نحت لا تقل عمن تخصصوا فيه مع إنه مر بمرحلة طويلة مع الفرشاة واللون والقلم بما يمكن تسميته الفن الناعم إلى الفن الصلب والصعب المراس جامعا فيهم بين إيحاء اللون وحجم الكتلة، لا يطابق الواقع ولا يفسر المعنى بل يمنحك البحث والتأويل والتصور فالعمل الفني حينما يوضع أمام المتلقي أو الناقد يخرج من حيز الخصوصية للفنان إلى عقل المتلقي إلا بما منحه الفنان لهؤلاء من مفاتيح لا يتعامل معها إلا من لديه الثقافة الجمالية أو الحس الجمالي..
من أقوال الفنان
اعتبر علاقتي بالمنطقة العربية بمثابة مرجعية أساسية لي.
لا يمكن تقديم أنفسنا كقطع متحفية، لا تقيم حوارا مع الحضارات الأخرى.
الفنان رفع مستوى العمل وتحويل العنصر المحلي إلى عناصر أكثر إنسانية..
تقديمنا قيماً ثقافية محلية شيء ومعاصرتها شيء آخر... الفن عبارة عن تراكم خبرات
الفن ليس نبتة في الصحراء بل له محيطه وتأثيراته...
لم يضعوني في خانة الخطاطين فمنذ بداياتي الأولى لأني كنت أعتبر الحرف أحد مكونات اللوحة ليس إلا.... الرسام الجيد يمكن أن يستخدم حتى اللون الأسود بشكل مبدع..
الفنان المبدع هو الذي يتمكن من إنتاج أعمال متنوعة ولكن في مستوى مهني واحد، وأي شيء ينتجه يظل يحمل بصماته وروحه عبر تنويع مصادر معرفته ومصادر ما يقدمه من إنتاج...
- monif.art@msn.com