ما حثّ قلمي للكتابة عن رواية (حج الفجار) أمران: اللغة التي ارتهنت بجزالة العربي الجاهلي، والفكرة التي ارتهنت بمزج التأريخ بالتفلسف.
أما اللغة فكأن لبيد بن ربيعة ذاته هو الذي كتب هذه الرواية لا موسى ولد ابنو، لأنه استطاع ببراعة أن يكتب عن الجاهلية بلغتها، وأن يمزج التأريخ باللغة، ويمزج الفن الروائي بالواقع الجاهلي. واللغة مكوّن أساس في الإبداع الروائي خصوصًا حينما نرى أن مبدعي الرواية في العالم العربي قد طغى عليهم التبلد اللغوي في السرد الروائي، مما جعل الرواية فنا يبدعه غير الضليع في اللغة بل المنغمس في عاميته، واللغة أحد ركني الإبداع الروائي عموماً مع ركنه الآخر وهو الفكرة أو الأفكار.
وقد حاول الروائي أن يمزج (الحج) باعتباره شعيرة دينية بالفن الروائي من منظور فلسفي؛ سيظهر هذا عندما تكتمل ثلاثيته التي أعلن عنها الروائي والتي ابتدأها ب (حج الفجار)، إنها محاولة لتحجيج الحج مع الفن الروائي، ومحاولة لخلق مسار موازٍ لما ابتدعه أبو العلاء المعري في (رسالة الغفران) من أعمال (الميتاسرد) في سرديته، وذلك في نواحٍ عديدة من الرواية منها، محاكمة لبيد النقدية وثناؤه على شعره ومقارنته بالنابغة « انظر كيف يتخلص من النسيب إلى وصف ناقته كما فعل النابغة في معلقته « ص50، ويتهم لبيد بمحاكاة النابغة كرة أخرى «فيشبه ناقته بوحشية، ويصف صائدها وأكلبه وما نشب بينهم وبينها من عراك» ص52.
وما استحضار (لبيد بن ربيعة) وشعره في هذا السرد الروائي إلا سيماء على مزاوجة القديم بالحديث والشعر بالسرد، وهنا نلحظ اختيار التأريخ كموضوع للرواية، والتاريخ هنا يميزه (التنصيص) وذلك بنقله نصوصًا عديدة من بطون التراث العربي ليدبجها في سرديته ويحيل إليها ضمن النص / السرد، وكأنه تحدٍّ للتوفيق بين الرواية / التخييل وبين التاريخ / النص.
إذن هو إبداع تاريخي / لبيد، وتخييلي / السرد، وفلسفي / الحج.
وليس من السهل أن نحول التاريخ إلى سرد روائي كما أنه ليس من السهولة بمكان أن نصيّر الشعائر / الحج إلى ميدان للتفلسف بتقنية (الميتاسرد) ويظهر هذا جليّاً في حب أسماء، وشكوك لبيد، عهر الجاريات بعد الحج، مركزية سوق عكاظ قبيل الحج، ولعلي أنظر إلى هاته الأحداث في السرد الروائي من منظور ما ورائي، ناقد ومنقود، يتقصدها الروائي في سرديته، ويدير حولها العديد من أحداث روايته.
كثيرًا ما يبزغ في ذهني أن الرواية لن تكتمل حتى يتم الروائي أخواتها، ويبسط المنظور الفلسفي لشعيرة / أسطورة / رمز الحج من خلال ترحيل الحج عبر العديد من العصور قديمًا وحديثًا، وهذا ما أعلن عنه الروائي في بعض حواراته.
صالح بن سالم - الخرج