ظل الحكاية فنٌ رديفٌ للوجود ذاته لا ينفصل عنه أبدا..
لأنها كائن عصي على الزوال..
تستمد ديمومتها من كونها..
تتخلق في مكان ما من هذا الكون الفسيح..
تقع أحيانا..
يتخيلها أربابها أحيانا..
يخلقونها في أحايين كثيرة..
يواجهون الألم والظلموت والبؤس وحتى المتعة والتشوفات بنعمة السرد والحكايات
فور ولادتها كفكرة أو حدث..
يهذبها سدنتها..
يسقونها بمكنوناتهم..
يتنقلون بحب بين تفاصيلها الصغيرة.. يضفرون جدائل أحرفها وكلماتها..
ليصنعوا منها ((ما يبهج ويشفي ويمتع))..
لا نلبث أن تتحول الحكاية واقعاً سرمدياً بعد أن تروى..
فيسمعها الآخرون ليقوموا بنقلها لمتلق جديد..
ووفق هذا التتابع (الزمكاني)..
تدخل وجدان الأمم..
وذاكرة الشعوب..
تستمر قصة حياة هذا الكائن الجميل..
وقد تنمو وتتمدد مع مرور الزمن لتكتب الحكاية لنفسها الخلود..
هذه الديمومة التي تتعشقها الحكاية جعلت منها شجرة لعائلة السرد..
لذا كانت الحكاية على الدوام رفيق الإنسان الدائم ونهمه المستمر..
نادي الباحة الأدبي أحسن صنعا بأن جعل من نفسه ((حكاية تروى)) و((قصة تلوكها الألسن)) عندما فكر مجلس إدارته، ثم قرر أن يجعل من ناديهم الأدبي وباحتهم الحسناء وجهة للمفكرين والأدباء والمثقفين عبر إقامة الملتقى تلو الملتقى..
حتى بتنا اليوم على مشارف (ملتقى القصة والقصة القصيرة جدا) الذي تستعد منطقة الباحة لاحتضانه وبث الروح في أوصاله..
وللحق فإن الملتقى يأتي في وقت مهم جدا كونه يعيد البوصلة باتجاه هذا اللون الإبداعي بعد أن خفت الاهتمام به مؤخرا وبعد أن هجره محبوه..
رغم أبوته للحقول السردية الأخرى..
فوق هذا فالنادي بهذا الفعل الثقافي يحقق أسبقية وريادة له ليكون له قصب السبق في إقامة ملتقى يعنى بالقصة ويكرم من خلاله عددا من روادها ومبدعيها على مستوى المنطقة والوطن.
وهذا الجهد الموفق يحسب لمجلس إدارة نادي الباحة الأدبي برئاسة الأستاذ حسن الزهراني هذا المثقف الشمولي المجازف والمتقد حماسة وانتماء للأدب وللباحة
وهو مع بقية أعضاء المجلس الحالي بعطاءاتهم وجهدهم نجحوا في جعل الباحة حاضنا حقيقيا للإبداع والثقافة وقبلة للمثقفين والمبدعين بعد أن عملوا على توطين ثقافة الملتقيات ونشرها..
ثم نجاحهم في شموليتها لمختلف أجناس الأدب وهذا مرده في ظني إلى روح العطاء التي تسكن أرواح كتيبة الإبداع، وتشير إلى الوعي الشمولي الذي يتمتعون به..
ولاشك أن هؤلاء المبدعين يؤكدون حقيقة انحيازهم للإبداع دون سواه وتفرغهم له ومنبع هذا البروز حرصهم على الارتقاء بالعطاء الأدبي وإخلاص منقطع النظير لدورهم الثقافي.
ومن دون شك أن هذا التجمع الثقافي للمشتغلين بفن القصة والقصة القصيرة رهان حقيقي على أن دور المؤسسة الثقافية الإسهام في خلق تظاهرات ثقافية يكون من نتائجها الحتمية التثاقف وتبادل الخبرات وخلق مزيد من مساحات التواصل بين المشغلين بالفنون..
وهذا التجمع يؤكد حقيقة أن نادي الباحة أحد أهم رواد الثقافة عربياً..
وأن التميز يهيمن على وجدان وفكر منتسبيه الذين هم في حقيقتهم مرتهنون لحتمية التاريخ، التي لن تهادن إلا مع العطاء المخلص، ولن يتذكر التاريخ سوى العطاءات المتفردة لمن آمنوا بدورهم ووثقوا في أنه كفيل بجلب التميز، والعبور عبر الزمن..
في يقيني أن أبناء الباحة المنصفين والمتجردين من ذاتيتهم فخورون بهذا العطاء الذي يتركه المجلس الحالي..
والتاريخ كفيل بتسجيله لصالحهم وسيقوم بمهمة سرد الحكاية نيابة عنهم.
ناصر العمري - الباحة