كان يوم الثلاثاء يوماً مختلفاً معهن، يوم أبهجني وأنا أعبر إليهن في الظهران، المدرسة الثانوية الثانية (مقررات)، إنهن الطالبات الموهوبات في الكتابة الأدبية، بناتنا جميعاً، وكانت الفعالية ورشة الكتابة الأدبية قدمتها لهن في برنامج أسميته (بنفسج كاتبات الغد)، حيث اقترحت اسم البرنامج على أمينة مركز المصادر بالمدرسة فوافقت، ورأيي أن البرنامج لا بد أن يحمل مسمى يثير خيال الموهوبات الجمالي.
بدأت الورشة الحصة الثالثة، واستمرت حصة واحدة فقط، وكان التفاعل واضحاً من الطالبات منذ اللحظات الأولى للورشة وذلك عبر ابتسامة شفاههن، ونظرات أعينهن المتلهفة لما سأقول. حييتهن، كنت قد حصلت على نماذج من كتاباتهن، وقضيت ليلة مع كتاباتهن، تجولت بفرح بين خاطرة رقيقة، ونص قصصي طويل، ومقال عن الإرهاب، ونص نثري حالم.
وأنا أعبر بهن إلى جائزة نوبل وجدت لديهن معلومات عنها، بعد ذلك تناولت معهن وجبة الفطور، وطرحن عليّ أسئلتهن وأفكارهن الوارفة، شعرت أنهن بناتي، نعم في تلك اللحظات أنجبت إحدى عشرة فتاة موهوبة، كانت كل واحدة تنثر شذى فكرها اليانع.
كانت تتدفق أسئلتهن وأمنياتهن:
هل ستنشر كتاباتنا في الصحف؟
نريد ورش ودورات أكثر؟
لهفتهن، كلهفتي عندما بدأت طريق الكلمات وأنا بالصف الثاني متوسط.
انتهت الورشة وعدن إلى حصصهن بعد أن كتبن لي كلمات من بنفسج، على لوح يستند على الحائط، وتركنني وهن لا يعلمن أسئلتهن وأمنياتهن كانت كما لو أنها نصال في صدري، أمنيات لن يحققها إلا مؤسسات ثقافية رسمية، تساءلت: ترى ما الذي يعيق الأندية الأدبية عن تنفيذ ورش ودورات للموهوبين في الكتابة الأدبية تتناول الشعر، والقصة، والرواية، والمقال، والمسرح، والترجمة الأدبية ومراجعة الكتب، ويكون ذلك في مدارسهم وجامعاتهم عبر استقطاب كتّاب وكاتبات لهم وجود في المشهد الثقافي، وتتكرر هذه الدورات والورش في محافظات كل منطقة.
نعلم أن المواهب هناك في المدارس والجامعات، وفي غياب رعايتها والاهتمام بإبداعها الغض ستجد نفسها أمام طريقين إما أن تختطفهم أيادي الإرهاب، فيدمرون مجتمعنا، ووطننا، ومكتسباتنا التنموية كما يحدث الآن.. أو يتلقفهم مروجو المخدرات، فيهلكون في طريق المخدرات ويهلكون أسرهم والمجتمع أيضاً.
أعلم أن هناك من سيقرأ مقالي من منسوبي الأندية الأدبية، سيرد عليّ أحدهم بإجابة مستهلكة (ليس من مسؤوليتنا)، الرد الجاهز والسطحي والأجوف والذي يعني الفساد وعدم الرغبة في تنمية المجتمع، والترجمة الأدبية ليست مسؤوليتهم، وإقامة أمسيات عن سرد تجارب أبداعية ليست مسؤوليتهم، والاحتفال بالأيام الثقافية العالمية ليست مسؤوليتهم والمسابقات الأدبية ليست مسؤوليتهم، ربما مسؤولية أندية شبحية لا مرئية أخرى.. ولكن الحقيقة هي مسؤولية الأندية الأدبية.
وسيجيب آخر: إن الأندية مفتوحة للجميع، الأندية والتي غطى الغبار بإجلال ممراتها وتكدست أوراق باهتة كأوراق الخريف على مكاتبها المهجورة، وتعالى فيها الصمت الموحش.. مثل هذه الأمكنة لن تلهم الناشئة، ولن توقد أفكارهم، كما أن إقامة ورش ودورات تدريبية في المدارس والجامعات يعرف المجتمع التربوي بالثقافة ويعزز دور الآداب في تنمية المجتمعات ورقيها، ويحث المعلمين وأولياء الأمور على تشجيع مواهب أبنائهم.
إنني لا أعتقد ولكني متأكدة أن إدارات التعليم لن ترفض أي برنامج لتنمية مواهب الناشئة تقوم بتنفيذه الأندية الأدبية وهي الجهة الرسمية المتخصصة في بلادنا ولكني أعتقد أن الأندية الأدبية تخاف من وهج الناشئة الذي سيربك لوائح ملفاتها القديمة، تخاف من فكرهم الجديد المنفتح على الثقافات الأخرى، والآداب الأخرى، وعلى النشر الإلكتروني وحقوق النشر، والإعلام الإلكتروني وأندية القراءة رغم أنهم يعلمون كما نعلم جميعاً أن الناشئة هم قادة الغد ومن سينمو برؤاهم التنويرية الوطن.
وقفة بهجة
وجدت في المدرسة الثانوية الثانية بالظهران طالبات يكتبن قصصاً قصيرة باللغة الإنجليزية وتشجعهن معلمة لغة إنجليزية رائعة تهوى القراءة والأدب.
وشكراً
شكراً باتساع السماء لكل التربويات المبدعات اللواتي فتحن لي ومعي فضاءات بيضاء لمواهب زهرات وطننا اليانعات بالفكر البهي سواء هنا في المنطقة الشرقية، أو في منطقة جازان، أو منطقة المدينة المنورة.
تركية العمري - الدمام