لم تعد الحرية مجرد مفهوم يتناقله المثقفون فيما بينهم بتعريفاتهم المختلفة، ويشيح عنه الآباء والأجداد ويتعوذون بالله منه، باعتباره دعوة للتحرر من كل القيود، والتخلص من كل التكاليف الربانية، فالحرية اليوم قد أصبحت إرادة، والإرادة قد صنعت مصائر الكثير من الشعوب، وليس أدل على ذلك من الربيع العربي! فمصطلح الحرية قد تعدى وأصبح اليوم يشكل أعظم قضية للشعوب وصار وتراً حساساً يعزف عليه السياسيون في خطاباتهم السردية الطويلة والتي ينافحون من خلالها عن استقلال شعوبهم وحصولهم على الحريات المطلقة.
فالحرية بمفهومها البسيط تعني التخلص من القيود سواء كانت تلك القيود الحسية المتمثلة في تحجيم مساحة اختيارات الفرد، أو القيود المعنوية المتمثلة في الرقابة المجتمعية الصارمة للأفعال والأفكار والأقوال، والسلطة الغير مرئية مما يسمى بالعادات والتقاليد والغرائز والأفكار والمكتسبات الثقافية والبيئية!
وفي فلسفة الحرية انبرى الكثير من مفكري الغرب للدفاع عن الحرية واستمات بعضهم لإبقاء ذلك المفهوم حياً بمنح من يخالفونه الحرية المطلقة في قول آرائهم، فقد عاش الفيلسوف الفرنسي فولتير في زمن تباينت فيه الحريات حيث كانت السلطة لدوغمائية الكنيسة الكاثوليكية، وكان لرجال الدين مطلق الحرية في إصدار الأحكام على الناس بحسب درجة إيمانهم واعتقادهم! لذلك كان في كتاباته دائماً ما يحاول أن يفلسف تلك الحرية ليرفع سقفها.
وقد تعددت الاتجاهات الفلسفية حول حرية الإنسان، فبين قائل بأن الإنسان قد خُلق حُراً له مطلق الإرادة في تصرفاته بشرط ألا تتعدى حريته إلى حريات الآخرين، وبين قول آخر أن الإنسان لم يخلق حُراً، بل أنه جزء لا ينفصل عن الطبيعة، مما يجعله أي الإنسان عرضة لقوانين الطبيعة اللانهائية!
ولأن للحرية مفهومًا متسعًا يمكن أن يعمم على سائر حياة الإنسان من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية، كان لا بد على الإنسان أن يتحرر بفكره من سيطرة الخرافات والتراث القديم على معتقداته، لأن تلك المعتقدات تؤثر في فلسفته للحياة بكافة نواحيها، وبحسب إيمانويل كانت فإن الحرية تعني: «خروج الإنسان من سباته العقلي الذي وضع نفسه بنفسه فيه، عن طريق استخدام العقل» حيث ركز أغلب المفكرين في عصر التنوير على ذلك، بل واعتبروا أن الشخص المتمسك بمعتقدات وخرافات أكل الدهر عليها وشرب قد قيد نفسه بأغلال أشد وطأة من أغلال الحديد وقضبان السجون!
وقد كانت من أكثر القضايا التي شغلت المهتمين بموضوع الحرية باعتبارها قيمة إنسانية، هي قضية الدين والحرية، فقد طُرحت الكثير من الأسئلة الفلسفية حول علاقة الدين والحرية وهل بينهما تداخل أو تعارض، بل وأن تلك القضية قد شكلت محوراً فلسفياً لدى الكثير من الفلاسفة، فقد اتجه عدد من المفكرين في مختلف الديانات إلى اتخاذ مواقف وسطية تعطي الإنسان حرية وسطية بين حق الاختيار والتطبيق، وبين إلزامية التكاليف الربانية باعتبارها حرية مسؤولة ومشروطة، بينما ذهب عدد من الفلاسفة إلى اتجاه آخر يتمثل في أن الدين يظل (معتقداً) والمعتقد يظل في خانة الحرية الشخصية للإنسان وأن تلك الحرية هي الأصل قبل التكليف، ولو لم يكن الإنسان حراً لما كان هناك مبرراً للثواب والعقاب، والتي تمنح للإنسان بحسب اختياره الصحيح أو الخاطئ والذي هو مسؤول عنه مسؤولية تامة بحسب إرادته الخالصة التي لم تخضع لتأثير أو تغيير إجباري!
ومن خلال بعض القراءات في الوجودية نرى بأن الحرية لدى الفلاسفة الوجوديين تعني حرية الإنسان في تكوين معتقداته دون أي تأثير مسبق!
خروج:
يقول الدكتور عبدالله الغذامي:
الإنسان ليس حُراً!
الإنسان ليس عبداً!
الإنسان شبه حُر.
عادل بن مبارك الدوسري - الرياض
البريد الإلكتروني: aaa-am26@hotmail.com
تويتر: @AaaAm26