يعد فن امتلاك مهارات صوتية أدائية من أهم صفات الممثل القادرة على اجتذاب الجمهور وإجبارهم على الإصغاء وهي واحدة من أهم صفات الممثل الناجح تمكنه من التحكم بدرجة صوته وتنويع نبرته وإيقاعاته. كما أنها ملكة تشي بمدى التطور الذي أحرزه الممثل في تطوير ذاكرته العاطفية التي يختزن من خلالها صور تجسدات الأصوات المختلفة وتلوناتها. وهي أكثر صفة لفتت انتباهي مؤخرا في أداء الممثل المسرحي السعودي محمود الشرقاوي وهو يؤدي دوره في مسرحية «بارانويا»، من تأليف عباس الحايك وإخراج ياسر الحسن على مسرح جمعية الثقافة والفنون في الدمام.
إذ بدا الشرقاوي من خلالها متمكنا بشكل جيد من الانتقال من دور لآخر عبر الصوت والتعبير من خلال طاقته الصوتية المتوثبة على تنوع الشخصيات والانتقال عبر الصوت بين شخصية البطل المأزوم ومديره الغائب الحاضر بقوة في أحداث وتفاصيل حياته وانشغالاته اليومية وكذا في الإشارة الخاطفة لشخصيتي والد البطل ووالدته.
وللوقوف على مدى أهمية الأداء الصوتي في التمثيل نعرج على بعض الحديث حول الصوت وتعريفه القائل بأنه هواء يتموج بتصادم جسمين، وصوت الإنسان يحدث بتموج الهواء الخارج من الجوف في عملية الزفير. ويشكل الصوت عاملا مهما في إظهار التباين بين الناس كما أنه يحدد نمط الشخصية وصفاتها النفسية والملامح والسمات والطبائع التي تتمتع بها وعمرها في كثير من الأحيان. فللصوت شخصية وروح كما أن له معادن تنقسم إلى خمسة أقسام رئيسية هي: الباس، الباريتون، الألتو، التينور، السوبرانو حسب الأسماء الإيطالية التي اصطلح عليها الموسيقيون. فالباس، تحدثه أغلظ الأوتار الصوتية ويدعوه الموسيقيون العرب القرار أي العمق ويؤدي من خلاله الممثل شخصيات العظماء والواعظين والشخصيات الخيالية. الباريتون، وهو يشترك مع الباس في منطقته ويؤدي نفس الأدوار، التينور، أوسط الأصوات وأقدرها على التنغيم والتلوين وطبيعته خفيفة رنانة وحركته سريعة، ومنطقته الحنجرة ويصلح لتمثيل أدوار الشباب الأقوياء.
الألتو، وهو أرق أصوات الرجال، وأضخم أصوات النساء، ويمكن أن يسمى أيضا (الباس أو الباريتون النسائي)،ومنطقته الحنجرة ويصلح لأدوار الثورة والغضب، وصاحبته تصلح لأدوار العظيمات والواعظات والكبيرات في السن وأدوار الوقار والحشمة.
السوبرانو، أرق أصوات النساء وأعلاها، وهو سريع حاد، ومنطقته الرأس، وهو صالح لتأدية الغناء، ويعادل التينور لدى الرجال في قدرته على إبراز الشخصيات المختلفة أثناء أداء أدوار الشباب.
ويصاب الصوت الإنساني بالمرض إما بسبب الإصابة بمرض عضوي، وإما نتيجة الإهمال، والمرض يعالج بالطب، فيما الإهمال يعالج بالتمرين. وسبب الصوت المكتوم الخافت هو ابتعاد الأوتار الصوتية عن بعض، أما سبب الصوت المعدني أو النحاسي والذي يسميه الموسيقيون، الأقرع، هو بخلاف سبب الصوت المكتوم أي شدة اقتراب الأوتار الصوتية من بعض، وهذا الصوت لا يكون مطربا وأداؤه التمثيلي سيئ وغير معبر،وهو يستعمل منطقة الرأس وحدها غالبا.
الصوت الأنفي الأخنف سببه ضغط اللسان أو انكماشه إلى الداخل، بحيث يصبح عائقا أمام خروج الصوت كله من الفم وهو ما يجعله يتسرب إلى الأنف.
الصوت المندفع، أي الصوت الذي ينساب مندفعا من مقدمة الحنجرة فيفقد بذلك لونه الذي تمنحه إياه عادة الأوتار الصوتية في داخل الحنجرة،كما تعطي أوتار الآلة الموسيقية أنغامها،ولذلك يخرج بلا لون،ويكون مملا ثقيلا على الأسماع. وتنتج علل الصوت بسبب التنفس بطريقة خاطئة، وإجهاد الصوت بحمله على طبقات لا تلائمه، والضعف العصبي، الشيخوخة، الخوف.
الصوت الأجش الخشن فإن الخشونة إذا لم تكن أمرا طبيعيا في الخلقة فهي ناجمة عن إجهاد الصوت أو بسبب إصابة بالبرد.
كل ما تقدم يبرز أهمية الصوت في الأداء التمثيلي وأهمية العمل على تطويره والحفاظ عليه وما يمكنه أن يلعب من دور مهم في التمثيل كما بدا في أداء الشرقاوي والشرقاوي بالمناسبة علاوة على كونه ممثلا مسرحيا فهو شاعر وروائي لديه تجارب في تأليف مشاهد ومسرحيات منها: مسرحية « على أوتار الكمان» ومسرحية « إيقاعات الماريمبا»، ومسرحية « صفقة الحبل والزمن» وربما هذا ما يفسر سبب إجادته لتأدية دور صيغ بلغة أدبية راقية.
وقد قام من خلال مسرحية» بارانويا»، بتأدية دور الممثل الواحد في نص مونودرامي، جهد من خلاله للتعبير عن علاقة مأزومة بين موظف ومديره، عمد لاستعراض تلك العلاقة الشائكة والمتوترة وتبيين أبعادها بمحاولة الغوص في بواطن البطل وتعرية عقده النفسية. وإن شاب العرض في بدايته نمطية أسهمت فيها محدودية المساحة التي يتحرك فيها البطل وكذا غياب تفعيل دور الضوء في النص أو لنقل عدم توظيفه بشكل كافٍ.
فالتمثيل كما هو معروف لون من ألوان الفنون التعبيرية التي هي بحاجة لتظافر كافة العوامل الإخراجية والفنية والأدائية الممكنة والتي يعكس نجاحها عن مدى استيعاب المخرج للنص ومدى نجاحه في تجسيده واستشعار الممثل للدور الذي يقوم على تأديته والذي يعتمد في أحد أوجهه على بلاغة الحوار والبناء الروائي أو ما يسمى الفن الدرامي. وفي هذا الجانب بدا الشرقاوي متمتعا بسلامة النطق للغة الأدبية التي كتب بها النص كما تمتع بوضوح مخارج الحروف والقدرة اللغوية على التعبير بشكل فني بديع وهو إن لم يكن هذا هو العامل الوحيد لنجاح العمل الفني بشكل عام غير أنه يبقى عاملا مهما.
شمس علي - الدمام