والطاء في الطور والطارق والمطففين في القرآن الكريم، ونلمحها في الذاريات: (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ) (33).
والطين أثار غيرة وحسد الشيطان من الإنسان: ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) 12 الأعراف، فكان نصيبه الطرد والإبعاد.
وهي تتجلى في سورة الكهف، وكذلك في سورة الإنسان بجمالٍ منثور من الترغيب والحضّ: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10).
إلى التحقق والطمأنينة: ( وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19).
والطاء في الرسم بالكلمات قلب الوطن، والأهل والناس قلب أوطانهم حقيقةً لا رسماً، فلا وطن بلا أهل، والوطنُ إيمانٌ وقضيةٌ ومبادئ والتزام وحب وعطاء، وأنا أؤمن أشد الإيمان بهذا فأقول:
ما أطيبَ الأهلَ في أرضي وفي سكني هم نورُ عيني وهم نبضي وهم سكني إنْ أثمرَ الحبّ نهراً قلتُ: فيضُهُمو.. أوْ أمطرَ القلبُ شعراً صحتُ ذا وطني*
لذلك لا أفهم ولا أحترم من يزايدون على حب البلاد وهم يؤذون العباد، لأنهم لهواهم، ومصالحهم، والذين ما عرفوا الإيمان ولا الحب، لا يعرفون قيمة الأهل والأوطان!
وهم ما رضعوا الحب ولا الوطنية ولا مثل هذا الشعر:
وطني لو شغلتُ بالخلدِ عنهُ
نازعتني إليه في الخلدِ نفسي
ولا قصيدة علي محمود طه:
أخي جاوزَ الظالمون المدى
فحقّ الجهادُ.. وحقّ الفدا
طلعْنا عليهم طلوع المنونِ
فطاروا هباءً وصاروا سُدى
أو ربما فهموها خطأً فجاهدوا ضد أوطانهم وأهلهم، وطغوا فمزقوها ومزقوهم مزقا.
وشر الناس حقّاً الذين أضاعوا أوطانهم بتفتيت وحدتها وزرع الفتن والطائقية والحروب والفوضى فيها، وعلى حدودها، بدل زرع الخير والسلام والأشجار، وأكثرهم شرّاً من باعوها للغرباء بثمن بخس، وغادروها ليعيشوا ملعونين مطرودين في المنافي، تلفظهم المطارات والفنادق في نهاية الأمر كما حدث لجيش لحد في جنون لبنان، وأمثالهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ألا ساء ما يفعلون وما يطبخون لأهلهم من خياناتٍ ومؤامرات مع من يتحالفون معه من سقط الأمم من الطغم الخاسرة.
وعلى ذكر الطبخ، فلنخفف عن أنفسنا بهذا اللطف الذي انتقيته من لسان العرب لأهلنا من قراء المغرب العربي: « طجن: الطاجن: المقلى، وهو بالفارسية تابه. والطجن: قلوك عليه، دخيل. قال الليث: أهملت الجيم والطاء في الثلاثي الصحيح، ووجدناها مستعملة بعضها عربية وبعضها معربة، فمن المعرب قولهم: طجنة بلد معروف، وقولهم للطابق الذي يقلى عليه اللحم الطاجن، وقلية مطجنة، والعامة تقول: مطنجنة. الجوهري: الطيجن والطاجن يقلى فيه، وكلاهما معرّب لأن الطاء والجيم لا يجتمعان في أصل كلام العرب».
ولا يجتمع الشعر لدي مع الطعام أو بعده، لكنني أنتقيه وأكتبه هنا، لِيُقرأَ متى طابت أوقاتكم.
وكما أن الطاء قلب الوطن فهي عمود العطر والمطر، وجميعهم يمثلون المرأة الحضن والحضور والمنح.
ولا أوطان تتقدم بدون نساء طيبات متعلمات عاملات أيا كان العمل من البيت أو من المكتب، وأن يكنّ فاعلاتٍ غير معَطلات، سترهنّ وحجابهنّ وحارسهنّ العقل والعلم، وحليتهنّ الخلق الكريم، فيكون عطاؤهنّ لأهلهنّ وأوطانهنّ الخير والحب والجمال.
يُكرَمْنَ فيُكْرِمْنَ، ويُعْطَيْنَ من كل خير ولا يُظلمن ولا يُظطهَدْنَ، فيُعطِين ويمنحْن الأجيالَ من الخير والسموّ وعزة النفس بلا حدود. ويُقدّرنَ ويُحترمن فلا يُكسرْن ولا يُذلَلْنْ فيخرج النشء عزيزاً لا ذلّة تؤذيه، ولا ضعفَ، لا خنوعَ يزريه.
فهل تستطيعُ جاهلةٌ بالعلوم والحقوق والعبادات والطاعات أنْ تعلّم الأطفال ذلك؟!
وهل تستطيعُ كسيرةُ جناحٍ، منزوعة القوادمِ والخوافي، لا ريشَ لها، أن تعلم الأطفالَ الطيران والتحليق واكتشاف طاقاتهم الكامنة؟!
والطاءُ في الطير، وأنا أحبها وأطعمها، فتغني وترقصُ في شِعري، ويطعمني ربي من حيثُ لا أحتسب:
والطيورُ تدلّى على الأرضِ قبْلَ الثمَرْ.
قلتُ نهجُ القصيدةِ
قلتُ قلائدُ حبٍّ من النِّسوةِ الصَّافياتِ كنونٍ
ونشوةُ يسرٍ وسرُّ افتتانٍ فقلنَ: الشَّجَرْ.
قد أتينَ فرادى وجمعاً:
تلك هي العامريَّةُ
هذا عُمَرْ.
فالطُّيورُ بشَرْ.
والطُّيورُ على مسْمَعٍ في الجَلالِ وتَرْ.*
** ** **
*للشاعر كاتب المقال.
- الرياض
mjharbi@hotmail.com