وقائله مدير البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض الرياض للكتاب ضمن مؤتمر صحفي نشرت وقائعه صحيفة الحياة، حيث رأى الشباب ناقصي ثقة وتجارب وهو يتحدث عن سر تغييبهم عن جدول اللقاءات الثقافية عن التعايش الذي اتخذته إدارة المعرض شعاراً لهذا العام قائلاً: «إن الحديث عن قضية التعايش يحتاج إلى فكر ناضج وتجربة عميقة، والشباب يفتقدون لتلك التجربة وليس لديهم الثقة في النفس، لذلك تم استبعادهم»!!
وأضاف: إن اللجنة اتخذت طابع التعدد في أعضائها لتمثّل أطيافاً ثقافية وفكرية في شتى مناطق المملكة، وإن جميع توصياتها اتخذت التعاون الكامل بين الأعضاء.
وأي تعدد هذا الذي يقصي أكبر فئة في المجتمع، ويغض الطرف عن أكثر الطاقات الخلاّقة في الإبداع والثقافة والفضاء الإلكتروني الراهن، وأوسع شريحة تضعها الدراسات التنموية والاجتماعية والتربوية ضمن أولى خططها وغاياتها وبرامجها التنفيذية؟!
وكلامه ليس جديداً، وأظن كثيراً من المسؤولين يحمل الفلسفة نفسها أو «الأوهام» لكنهم أكثر حرصاً فلا يفصحون عنها لكنهم ينفذونها على أرض الواقع، والشواهد كثيرة والنتيجة شباب بلا حواضن تليق بهم ولا مؤسسات تستوعبهم، ولا نشاطات دائمة تلبي احتياجهم فتتلقفهم جهات غير آمنة، ويتملّك بعضهم الإحباط مبكراً، ثم يدفع المجتمع والوطن الثمن غالياً، ويضج الحزن في الصدور!
بعد أيام من تصريحه توقعت نشر اعتذار، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وفي ذلك دلالة على إيمانه العميق بما قال وهو أستاذ جامعة وعضو مجلس شورى ومسؤول ضمن احتفالية مهمة تعمل وفق المنظومة الكبرى للعمل التنموي بكل ملامحه لكنه يسعى عكس رياح الإستراتيجيات المعلنة التي جعلت الشباب هدفاً وغاية وإن خلا الواقع من الدلائل فلا برامج لهذه الفئة إلا قليلاً من الرياضة، وهنا نتذكر الأندية الأدبية وجمعيات الفنون والمكتبات العامة، وقد عجزت هذه المؤسسات- إن صحت التسمية- عن تقديم مشروع وطني صريح يستهدف الشباب بالتعاون مع التعليم العام والمؤسسات الأكاديمية ورعاية الشباب ومؤسسات المجتمع المدني.
ربما كان على المقصّرين في أدوارهم التزام الصمت أو «ليحسن النطق إن لم تحسن الحال» والأهداف، أو عندما تغيب قيم الرعاية الواعية لأغلى كنز تراهن عليه البلدان «الشباب» وهم هنا نسبة كبرى من المواطنين، وقوة شرائية في معارض الكتب، وقدرة واعية في مسار التعايش ضمن التحولات المعرفية وأنماط تداول المعلومات، ونرى ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، ونعلم ذلك عبر أفواج المستفيدين من برنامج الابتعاث النوعي الذي استهدف الشباب ومكنهم من الانتماء إلى أعرق الأكاديميات العالمية.. لكن شيئاً من ذلك لم يقنع مسؤول البرنامج الثقافي فحمل أجندات غرائبية تقيم الحواجز بإرادة لا تخدم المشهد الثقافي ولا الشباب الذين يقودون حراك النشر التقليدي والإلكتروني ويتفوقون فيهما.
قطاعات محلية، ووكالة الوزارة للشؤون الثقافية جزء منها، لم تستطع إعلان أهدافها ورسالتها، ولم تقنع الجمهور بما تفعل فزهد كثيرون فيها، وتناسوها، وليتها تتوقف عن زراعة الحواجز بين فئات المجتمع أو تغييب بعض الأطراف، وإن فعلت فالأجدر عدم استفزازهم بالعناوين الحادة التي يتقنها «مسؤول عابر» تجاه مجتمع باقٍ وثابت يجب الوفاء بحاجاته دون تحيّز لفئة، أو انتصار لفكرة على حساب «التنوع» و «الثراء» القائمين على الاختلاف فتلك سنة الحياة.
ولعل الوزارة في عهدها الجديد بقيادة «الوزير الشاب» تسعى إلى مراجعة قوائم الأسماء الثابتة التي تهيمن على النشاطات الثقافية وإدارة القطاعات وتجزئة المناسبات الثقافية وفق الهوى الشخصي وتقاليد لا تختلف كثيراً عن الشللية التي خلقت صراعات تنمو في كل الجهات غدت الساحة الثقافية معها مجالاً للتندر وحقلاً متجدداً لصناعة الأخبار الصحفية المخجلة برعاية مسؤولين لهم فكر ورؤى صاحب التصريح أعلاه.
محمد المنقري - جدة