موقف منقسم وحائر للإخوان تجاه المسألة الشيعية
وفي الوقت الحاضر، تبقى «المسألة الشيعية» مثيرة للجدل والانقسام العميق داخل الجماعة، وبخاصة نتيجة للتطورات الأخيرة المتصلة بقوة إيران المتنامية. وتشمل هذه التطورات سعي إيران إلى الهيمنة الإقليمية على حساب القوى الإقليمية التقليدية كـالمملكة العربية السعودية ومصر، وتشمل أيضاً جهود إيران لنشر نفوذها في المجتمعات العربية، وكذلك عودة انبعاث إيران كلاعب رئيس في المنطقة، من خلال وكلائها، في أماكن نزاعات إقليمية ساخنة، بما في ذلك وأبرزها: العراق وفلسطين ولبنان. موقف جماعة الإخوان كلها حول المسألة الشيعية منقسم وحائر بين: من جهة، هويتها كحركة إسلاموية عابرة للدول، ترغب بالوحدة مع إيران لتحقيق أجندتها الخاصة. ومن جهة أخرى، هويتها الواضحة كحركة سنية عربية مميزة لا تعمل ضمن سياقات اجتماعية/ سياسية (Sociopolitical)، فريدة من نوعها فحسب، ولكن كحركة لديها سبب وجيه لتشك لا بل وتعادي تلك القوة الشيعية الصاعدة. ولذلك فإن نتيجة هذا النقاش والجدل داخل جماعة الإخوان، الذي له بعده السياسي والديني، سيكون له تأثيره المهم على مستقبل جماعة الإخوان المسلمين وكذلك إمكانيات إيران نفسها في المنطقة.
موقف جماعة الإخوان المسكوني
سهل تمدد القوة الإيرانية النامية
في السنوات الأخيرة قامت إيران بتصوير نفسها كزعيمة لكتلة مقاومة إسلاموية موحدة ضد ما اعتبر على نطاق واسع في المنطقة باسم «المشروع الصهيو - أمريكي»، بهدف توسيع قوتها ونفوذها في الشرق الأوسط. وأدت جماعة الإخوان المصرية، من جانبها، دوراً مهماً في المساعدة على تسهيل التمدد السياسي والديني الإيراني في المنطقة.
فعلى سبيل المثال، ربما كان يمكن عرقلة استراتيجية إيران لنشر نفوذها في المجتمعات العربية السنية بشكل حاسم لو تم تأطير السياسة الإقليمية (بحسب ما تعود علماء الوهابية على فعله) على أساس الصراع السني/ الشيعي، أو كمواجهة فارسية/ عربية. لكن دعم جماعة الإخوان المصرية الصارخ لإيران مال إلى إضفاء نوع من الصدقية للحجة الإسلاموية الرائجة بأن خط الصدع حقيقي في المنطقة ليس بين المسلمين (أي بين السنة والشيعة)، أو المجموعات العرقية (أي بين العرب والفرس)، بل بدلاً من ذلك اعتبرت الجماعة أن القضية الإقليمية السياسية هي الصراع بين الإسلام والغرب، أو كما يُعبر عنها في خطابية الإخوان: بين أولئك الذين يدعمون «المشروع الأمريكي الصهيوني للمنطقة» وأولئك الذين يقاومونه، بما في ذلك إيران وحلفاؤها في كتلة «المقاومة».
جماعة الإخوان تعتبر إيران زعيمة للنضال الإسلامي
ضد الولايات المتحدة وإسرائيل
ومن وجهة نظر جماعة الإخوان المصرية - الجماعة «الأم» لتنظيم الإخوان الدولي، التي تشكل تحدياً جدياً داخلياً خطيراً على مستقبل النظام المصري، والتي لا تزال قيادتها تمارس نفوذاً كبيراً على فروع الإخوان الإقليمية - فإن إيران ينظر إليها عموماً كزعيمة للنضال الإقليمي الإسلامي ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. لقد سعت إيران إلى كسب التأييد في العالم العربي من خلال دعمها للقضية الفلسطينية وحركة حماس. ولكن على نطاق أوسع، يُنظر إلى إيران من قبل عناصر من جماعة الإخوان كشريك في النضال الطويل الأمد لتفكيك النظام الإقليمي للدول العربية العلمانية، وكذلك كشريك في النضال الإسلاموي للسيطرة على مصر نفسها. ومن جانبها، اهتمت إيران بإضعاف الدول العربية من أجل تعزيز هيمنتها الإقليمية، بينما سعت جماعة الإخوان دائماً إلى إضعاف الدول العربية لزيادة فرصها في الحصول على النفوذ وإقامة دولة الشريعة.
وفي السنوات الأخيرة كان دعم جماعة الإخوان المصرية لإيران يتأثر - جزئياً - بالصعوبات المحلية للجماعة؛ فمنذ نجاحها في الانتخابات البرلمانية في أواخر عام 2005 تعرضت الجماعة لضغط لا هوادة فيه من نظام مبارك؛ إذ سجن كبار قادة الإخوان، وقام بإجراءات صارمة ضد الشبكات المالية والخيرية التابعة لها، وأقر تشريعات تقيد من قدرتها مستقبلاً على النجاح في العمليات الانتخابية.
تلاعب إيران بالشارع العربي:
خدعة سيكولوجية إيرانية متقنة
وقد ساعدت إيران الإخوان بقوة من خلال السعي إلى نزع الشرعية عن النظام المصري وإحراج نظام مبارك؛ فعلى سبيل المثال، خلال الحرب على غزة (ديسمبر 2008 - يناير 2009)، سعت إيران أولاً عبر وكيلتها حماس إلى إشعال الحرب ومن ثم شنت هجمات بروباغاندا عنيفة عبر إعلامها الشعبوي ضد النظام المصري عن سياساته خلال تلك الحرب، ووصفته بالخيانة ومعاداة المصالح الإسلامية وخدمة إسرائيل بالرغم من كون سياسته الخارجية كانت عملياً وبالفعل تحمي المصالح العليا للدولة المصرية. زعيم حزب الله، حسن نصر الله، واصل استعمال هذا الخط من الهجوم عندما حث الشعب المصري وقادة القوات المسلحة المصرية ليتمردوا على حكومتهم بشأن تعاملها مع الحرب على غزة (6).
المرشد مهدي عاكف:
«الإخوان يقاتلون تحت راية حزب الله»
واستجابة لهذا، اتخذ المرشد العام للإخوان محمد مهدي عاكف موقفاً مناصراً لإيران وحزب الله خلال حرب غزة حيث قال في حوار مع مجلة الوطن العربي: «الإخوان يقاتلون تحت راية حزب الله»(*). ورفض كذلك التهمة التي يروجها البعض في العالم العربي بأن إيران تستعمل القضية الفلسطينية وحماس لتحقيق أهداف إقليمية فحسب، تشمل هدفها الخفي لخلق تعاطف ودعم لطموحاتها النووية الإقليمية لدى الشعوب العربية. وقال عاكف إن هناك أجندتين سياسيتين في المنطقة: أجندة تدعوا إلى الاستسلام للغرب وإسرائيل، ولا يتبعها النظام المصري فقط ولكن أيضاً بعض العرب الآخرين الذين يدعمون إسرائيل - دون قصد - عندما يقلقون من طموحات إيران الإقليمية بدلاً من هيمنة إسرائيل. والأجندة الأخرى هي «محور المقاومة» الذي يدعو إلى المقاومة والجهاد لطرد الدولة اليهودية والغرب من المنطقة. جماعة الإخوان - يقول عاكف - هي بكل صراحة جزء من الأجندة الثانية، كما هو حال الدولة الرائدة إيران. وسأل عاكف: من المخطئ في أزمة غزة: إيران أم العرب؟ وأجاب: «إيران موقفها نبيل ورجولي وإنساني وتساعد البائسين الذين يحاصرهم العرب»(7).
خلية حزب الله في مصر تربك الإخوان
موقف جماعة الإخوان المسلمين المصرية بخصوص إيران سرعان ما أصبح أكثر تشويشاً واضطراباً في أوائل عام 2009، عندما تم اكتشاف خلية لحزب الله في مصر. وفي الجدل المصري الداخلي الذي نشأ بخصوص الوجود الإيراني المتزايد أصبح موقف جماعة الإخوان بشأن القوة الإيرانية داخل مصر أكثر غموضاً؛ ففي البداية نبذ مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين المسألة برمتها وأيد نصر الله. وكرر المرشد العام عاكف حجته عن «الأجندتين» في المنطقة: تلك الهادفة للمقاومة الإسلامية، والأخرى الاستسلامية. ولكن اعتبر مسؤولون آخرون في الإخوان خلية حزب الله تعدياً على سيادة مصر. وانتقدوا حزب الله لعدم تنسيق جهوده في غزة مع الحكومة المصرية في المقام الأول، وأعلن نواب الإخوان في البرلمان أن أمن مصر القومي يشكل «خطاً أحمر» لا يجوز أبداً أن ينتهك؛ لأن «مصر تأتي في المقام الأول»(8). وأصدرت قيادة الإخوان بياناً أشاد بحزب الله لمساعدته «المقاومة» في فلسطين. ولكن شددت على أنه لا يوجد أي تناقض بين ذلك الدعم والتزام الجماعة بأمن مصر القومي(9).
تذبذب وتوتر في الهُوية الإخوانية:
بين الأممية الإسلامية والانتماء العروبي - السني
هذا التذبذب يعكس التوتر المتأصل داخل جماعة الإخوان بين هويتها كحركة إسلامية تلتزم بأيديولوجية لا تعترف بشرعية الدول القطرية من ناحية، ومن ناحية أخرى هويتها العربية السنية وزعمها بأنها حزب سياسي مصري له أجندة وطنية. وفي الوقت نفسه، فإن المنافسة السياسية الإقليمية بين السنة والشيعة ستحافظ على الأرجح على هذا الانقسام الداخلي حول هُوية الحركة ليبقى في صدارة المناقشات والجدالات داخل جماعة الإخوان.
...وتحيز للحوثيين
وفي الآونة الأخيرة، وعندما جُذبت المملكة العربية السعودية للتمرد الزيدي الحوثي في اليمن، الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه مدعوم من قبل إيران، ساندت جماعة الإخوان المسلمين الحوثيين، ودعت الملك السعودي (**) لوقف فوري للهجوم العسكري السعودي الذي يهدف لدفع الحوثيين إلى الخلف ليعودوا داخل حدود اليمن(10).
موقف أكثر حزماً ووضوحاً لإخوان سوريا
ومنسجم مع الأغلبية العربية السنية
وفي الوقت نفسه، في سوريا، حيث تعتبر الحكومة جماعة الإخوان غير شرعية، والعضوية فيها عقوبتها الإعدام، كان رد الإخوان على إيران أكثر وضوحاً بكثير. الإخوان السوريون ينظرون إلى إيران كأقرب حليف لنظام الأسد؛ وبالتالي يعتبرونها متواطئة في إذلالهم. ولذلك، فقد انتقدوا بشدة الأنشطة التبشيرية الشيعية الإيرانية في سوريا، واتهموا النظام السوري بالسماح بتحويل البلد إلى محافظة إيرانية(11). الإخوان السوريون ينتقدون أيضاً المشروع النووي الإيراني(12)، وينددون بأطماع إيران المعلنة في البحرين(13).
وفي أوائل عام 2009، عندما أصبح واضحاً أن إدارة أوباما كانت تسعى إلى التنسيق مع دمشق بدلاً من تغيير النظام هناك، سعت جماعة الإخوان، التي تعمل في المنفى، إلى صنع انفراج مع النظام على أمل أن يسمح لها بالعودة إلى سوريا. لقد أعلنت أنها، في ضوء الحرب على غزة، علقت أنشطتها المعارضة، ومن ثم انسحبت من تجمع المعارضة السورية الرئيس (جبهة الخلاص الوطني). ولكن في نوفمبر 2009 أعلنت جماعة الإخوان السورية انتهاء الهدنة مع النظام، وانتهاء تعليق الأنشطة المعارضة له!! وبخلاف جماعة الإخوان المصرية، شجبت بشراسة التمرد الحوثي في جنوب شبه الجزيرة العربية، وصورته كجزء من مشروع إيراني أوسع لغزو وزعزعة استقرار الدول العربية (14).
وفي لبنان، تحالفت شعبة الإخوان المحلية المعروفة بـ «الجماعة الإسلامية»، التي يقودها العالم البارز فيصل مولوي، مع المؤسسة السنية المرتبطة بعائلة الحريري، وشكلت جزءاً من «تحالف 14 آذار» المناهض لسوريا الذي يرأسه سعد الحريري، وانتقدت علناً كلاً من حزب الله وإيران. وفي أواخر عام 2006، عندما شن حزب الله حملة للإطاحة بحكومة «تحالف 14 آذار»، أدان الشيخ مولوي حزب الله، وقال إن إيران قد بدأت في تنفيذ خطتها الكبرى لتوسيع نفوذها في المنطقة، وإن حزب الله أثبت أنه جزء من هذه الخطة(15). إضافة إلى ذلك، وفي أعقاب احتلال حزب الله لبيروت عسكرياً وإهانة جميع أهل السنة والدروز في «تحالف 14 آذار»، في مايو/ أيار 2008، صرح الشيخ مولوي بأن «المقاومة الإسلامية» أصبحت في خدمة المشاريع الطائفية والسياسية(16).
هوامش المترجم:
(*) انظر في الملاحق حوار مجلة الوطن العربي مع فضيلة المرشد السابق الأستاذ محمد مهدي عاكف المنشور بتاريخ 23 أغسطس 2006 بعنوان: «مهدي عاكف: الإخوان يقاتلون تحت راية حزب الله». وهذا يؤكد أن الخدعة السيكولوجية الإيرانية المتقنة انطلت حتى على المرشد عاكف، فكيف بالدهماء في الشارع العربي؟! (العيسى).
(**) انظر في الملاحق صورة لبيان فضيلة المرشد الأسبق الأستاذ محمد مهدي عاكف ودعوته السعودية لوقف القتال، أي دفاعها عن نفسها. (العيسى).
يتبع ....
ترجمة وتعليق: حمد العيسى - المغرب
Hamad.aleisa@gmail.com