تذكرتها ونحن على مقربة من معرض الرياض الدولي للكتاب حيث يتهافت الناشرون على فرصة نادرة وثمينة تحقق كثيراً من أهدافهم، وترفع قوائم مبيعاتهم، وتنعش الركود الذي يعتريها طيلة العام، وبذلك يعترف كثير من الناشرين تأكيداً لوجود قارئ نوعي مقتدر في الساحة السعودية، حرمته أدوات الرقابة طيلة العام عناوين مهمة، ثم تنازل الرقيب عن كل «عتاده» و»أدواته» و»أفكاره» ليحل محلها التسامح الوقتي والكرم الذي لا يتجاوز أياماً معدودات، تطير بعدها عناوين كثيرة إلى قوائم المنع الشهيرة.
الجمعية تأسست قبل عشر سنوات تقريباً، وحظيت بدعم من الملك عبدالله بن عبد العزيز - رحمه الله -؛ إذ أعلن رئيس مجلس إدارتها تبرع خادم الحرمين بعشرة ملايين ريال، ومُنحت الجمعية أرضاً خاصة لبناء مقر لها، وتبرع الأمير سلطان بن عبد العزيز بمبلغ سنوي قدره مائتا ألف ريال، وحظيت الجمعية بترحيب من الأمير تركي الفيصل حين وافق على رئاستها الفخرية، واستبشر بها الناشرون الذين سارعوا إلى دفع اشتراكاتهم والتفاعل مع اجتماعات الجمعية وعمليات التصويت لاختيار مجلس الإدارة.
كل ذلك يخدم الأهداف العليا للجمعية، ويمنحها القدرة على تجاوز جمعيات مهنية أخرى، مرت عليها عشرات السنين، لكن - وبكل أسف - طوى النسيان الجمعية، ولم تقدم شيئاً يذكر للمهنة والعاملين في المجال، وكثر انتقادها وحرصها على تغييب نفسها من ساحة ثرية عميقة التاريخ، يكثر المشتغلون بها، وتشكل الأرضية التي تعمل بها هدفاً للناشرين من كل مكان رغم العثرات والمشاكل التي تعترض صناعة النشر في العالم العربي بشكل عام، والساحة المحلية تعاني أكثر، ومعوقاتها تتفاقم، وأدبيات المهنة تحيطها ضبابية يعرفها الجميع، والكتاب المحلي كاليتيم على موائد اللئام، إن صح التعبير، وهذا لا ينفي وجود ناشرين يمارسون نوعاً من الجهاد الثقافي متجاسرين على المعوقات والدخلاء وتدني مستويات الحماية الفكرية وضعف شبكات التوزيع وتراجع المؤسسات الثقافية والتربوية عن أداء دورها ضمن عمليات تشجيع القراءة وتبني مناسباتها. ومن يقرأ لائحة تأسيس الجمعية يطرب للأهداف العليا والكلمات الرنانة والوعود التي لا مثيل لها، ابتداء من «رفع مستوى مهنة النشر في المملكة وتشجيعها والدفاع عن مصالحها»، وصولاً إلى «رصد الكتب التي يصدرها أعضاء الجمعية وتبويبها لإصدار أدلة تعريفية لمنشورات الأعضاء». وللأسف، كانت الجعجعة أكبر من الإنجاز، والوعود أكثر مخاتلة من التنفيذ، حتى موقع الجمعية على الإنترنت يبدو خاوياً كما يليق بجهة وُئدت في مهدها.
وقريباً يبدأ معرض الكتاب فلا يجد ناشرون حفاوة تليق بصناع مهنة راقية، وتغلق دور؛ لأنها غير مرخصة بعد وصولها، ويغادر القارئ المعرض مؤملاً نفسه بزيارة ناشر رائج ثم تشرق الشمس وقد حل محله ركن لفريق الحسبة!.. يحدث ذلك لأن الجمعية لا تريد أن تؤدي دورها فتكون المنظم والراعي، وتعود إلى البيت الذي تركته للآخرين.
المرجو أن تراقب وزارة الثقافة والإعلام الجمعيات الواقعة تحت مظلتها، وتستعين بالجهات الأكثر احترافية في صناعة النشر وأصولها ومنهجيتها، مثل مكتبة الملك فهد الوطنية ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة أو مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ووجود الجمعية ضمن أعمال إحدى هذه الجهات يعزز حضورها، ويخدم أهدافها، ويقيها الصراعات الصغيرة التي غيبت جمعية وليدة، سعد بها كثيرون في مجال ثقافي واقتصادي يعيش نمواً ومتغيرات لا تهدأ.
محمد المنقري - جدة