كنت أبحث عنها، لها ملامح أولية في رأسي ولم أستطع تحديد الملامح إلا حين رأيتها معروضة بنصف سعرها بمناسبة تخفيضات رأس السنة في متجر قريب من جامعة بيركلي / كاليفورنيا، دفعت 30 دولارا، وصارت الصحبة من تلك اللحظة، هي حقيبة من الجلد الطبيعي دخلت معي عالم النظريات وقصاصات الورق واحتوت كتابي الأول ( الخطيئة والتكفير ) قطعة قطعة،علما وبحثا وهموما وقلقا، ثم صحبتني من عامنا ذاك 1983، حتى تقاعدي النهائي عام 2012 . ونشأ لها علاقات خاصة مع بناتي ومنها تنافسهن في مقابلتي أول ما أدخل البيت لتلتقطها أشطرهن من يدي وتتجه بها إلى المكتبة حيث تضعها بهدوء وحنان في مكانها المحدد (صورة الحقيبة مرفقة هنا وبعدسة ابنتي بشاير) ومرت الأيام لحياة التقاعد وصار مكاني في مكتبة البيت حيث لا أحتاج للحقيبة المتنقلة، ولكن ...!!!
كلما دخلت لمكتبتي رمقتني الحقيبة وهي ثاوية مستكينة عند مخرج المكتبة، صرت أسمع لها حنينا وشيئا من صوت متكسر مكبوت يتصاعد هينا رخياً منها، وتذكرت قصة جذع الشجرة وأنينه لفراق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، وتحركت مشاعري لهذه الحقيبة المخلصة،ورفيقة دربي لسنوات، وحزنت إذ تركتها، وقررت أن أقوم ببعض حقها وحق وفائها وصحبتها فصرت آخذها من وقت لوقت وأتجه بها إلى بهو كلية الآداب والبهو المتجه للمكتبة المركزية وأمشيها في طرقات الجامعة، وأتذكر الإنجليز وهم يمشون كلابهم في الحدائق، وأقول لنفسي: هذه ليست كلبة ولكنها فلذة كبد من الذكريات ومن الوفاء، وهي مثل الجذع المبارك، لها حق، وأنا أقوم بحقها، وكنت أمر بين الطلاب وأعلم أن الكل ينظر لحقيبتي بعين علمية وسيقول إنها هنا لغرض علمي ولن يكشف سري بأني أمشيها وأحاول أن أوسع صدرها، ثم أعود للبيت دون أن أدخل مع أحد، أي أحد، بأي كلام ليبقى السر الأثير محفوفا ومحروسا بخيط رفيع لا يراه غيري ولا يحس به غير حقيبتي الوفية، تلك التي لم تخدشها حركة ولم تجرح جلدها يد ولا باب سيارة، وبقيت صافية في طلتها وفي ملمسها وفي علاقتها معي، حتى صرت أذهب للجامعة من أجل حقيبتي وأشعر أنها رحلة لم يسبقني لها أحد، وتكون حقيبتي صانعة لريادة معنوية لم تحظ بها أي حقيبة في الوسط الأكاديمي ولا غيره . وكلما وسعت صدرها اتسع صدري معها، وعدت لبيتي وقد أنجزت حقوق الوفاء والصحبة.