الثقافية - عطية الخبراني :
منذ حضورها الأول وهي النموذج المختلف للمثقفة الخليجية العربية التي أرادت أن تختط لنفسها منهجاً كتابياً مؤثراً, فمنذ ارتطامها الذي لم يسمع له دوي مروراً بـ»قيس وليلى والذئب» وحتى «عائشة تنزل إلى العالم السفلي» و»خرائط التيه», كبرت بثينة العيسى ونسيت أن تنسى كما يوحي عنوان روايتها الصادرة عام 2013م, الثقافية حاورت الكاتبة الروائية والمترجمة الكويتية بثينة العيسى حول مشروعها المشترك مع عدد من كتّاب الكويت «تكوين», وقضايا الترجمة والمشاريع الثقافية الربحية والتطوعية, وعرجت معها حول معارض الكتب في الخليج وهوامش حريتها بالإضافة إلى عدد من القضايا.
نترككم مع هذا الحوار القصير:
إلى أي مدى استشعر فريق تكوين أهمية تقديم مبادرة إنسانية من خلال «كتاب»؟
- لم تكن النية في البداية هي تقديم مبادرة إنسانية. كان الاشتغال على المستوى الثقافي؛ تشكيل فريق عمل يقوم بترجمة كتابٍ عن الكتابة من دون مقابل. عندما نضج الكتاب واكتمل اتضح بأن أفضل ما يمكن حدوثه هو أن يذهب في طبيعته التطوعية إلى خط النهاية، وأن يخصص ريعه لتعليم الأطفال. في نهاية الأمر، عندما يتضافر عشرة أشخاص على الأقل لترجمة مؤلفٍ ما، فإن نسبة المترجمين من إيرادات الكتاب ليست شيئًا يذكر، لكن إذا لم يتم توزيع المبلغ وصرف بالكامل في تعليم طفل، فإنه مبلغ مؤثر ويمكن الاستفادة منه إلى حدٍ أكبر.
الثقافة عندنا دائماً متهمة بالتنظير والنخبوية والبعد عن أوجاع الناس واهتماماتهم اليومية..
كيف استطاع مشروع تكوين ملامسة الوجع في منطقته الأعمق؟
- أعتقد بأنه حقّق معادلة الفوز المزدوج win-win. فالقارئ والكاتب يكسبان بقراءة كتابٍ محفز يتناول رحلة الكتابة لكتّاب ناجحين، وثمة طفل في مكانٍ ما من العالم يفيد من أرباح الكتاب بمواصلة تعليمه. ليس في الأمر أي تنظير، بل هو نموذج ناجح وسهل التطبيق وأتمنى من غيرنا تجربته وتطبيقه.
كيف ترين مستقبل المشاريع الكتابية الجماعية ؟! حيث لم تصمد الثنائيات التي عرفت في الأوساط الثقافية على مدى سنوات، فكيف بأكثر من ذلك؟!
- كتابنا ليس مشروع كتابة جماعية، إنه مشروع ترجمة مشتركة، ولهذا لا أعتقد بأنه يواجه التحديات التي يواجهها العمل الكتابي المشترك.
هل يمكن تصنيف مشروع تكوين بالمشروع غير الربحي في جزء كبير من فكرته؟ وأين تقفون من مفهوم الربحية في تسويق ما ينتجه المشروع؟
- خلال شهرين أو ثلاثة أشهر على أقصى تقدير سوف نقوم بافتتاح مقر لتكوين. سوف يكون لدينا متجر لبيع الكتب ولوازم الكتابة وتقديم ورش العمل. من المستحيل أن يستمر المشروع في سنته الثالثة من دون أن ينجح في تغطية تكاليفه وإعالة القائمين عليه. ليس لدي حساسية من فكرة المشروع الربحي، وأعتقد بأن الثقافة، إذا أرادت تحقيق استقلالية معقولة عن السلطة السياسية والدينية، فالخيار المعقول الوحيد هو الخصخصة. هناك أصلاً ذلك الخلط بين المشروع غير الربحي والعمل التطوعي. المشروع غير الربحي لا يهدف لتحقيق أرباح وتذهب إيراداته في تمويل المشروع، ما يتم توزيعه في نهاية السنة يُعتبر «مكافأة - Bonus» وليس «أرباحًا موزعة - Dividends». ومع ذلك هو مشروع يحقق إيرادات وله تكاليف، مثل أي مشروع آخر. العمل في قالب المجانية الكاملة هو وهم مثالي جدًا، وإذا كنت سأختار بين ضم تكوين تحت جناح مؤسسي حكومي أو خصخصة المشروع، فأنا أختار الخصخصة بكل تأكيد.
أما عن الجانب «الخيري» من المشروع فهو جناح ترجمة وإصدار المؤلفات المتخصصة بالكتابة الإبداعية وتحويل ريعها لتمويل تعليم الطلبة المعسرين في الوطن العربي.
كيف تقيمين تجارب معارض الكتاب الخليجية تحديداً من حيث هوامش حريتها ومدى نجاحها في تسويق المنتج الثقافي الحقيقي في بلدانها؟!
- أعتقد بأن معارض الكتب الخليجية تتمتع بهامش حرية معقول في جميع العواصم، باستثناء الكويت. هناك دائمًا كتب ممنوعة، ولكن المنع في الكويت تجاوز حدود التوقع بكثير. حتى الكتب غير الممنوعة حجزت في الصالات ولم يسمح للناشرين بعرضها. أتمنى من وزارة الإعلام مراجعة موقفها، ومن زملائي الكتّاب اللجوء إلى المحكمة وخوض معركة مستحقة.
هل بات الكتاب المترجم اليوم متربعاً على عرش ما يباع ويسوّق له في معارض الكتب لدينا؟
- ما زال الكتاب العربي يحقق مبيعاتٍ عالية جدًا مقارنة بالمترجم إذا درسنا تجارب كتّاب مثل يوسف زيدان، سعود السنعوسي، حمور زيادة، واسيني الأعرج، إلياس خوري.. فإن الكتاب العربي يباع ويسوّق له بشكل جيد ولست في قلقٍ بهذا الشأن.
هل أصبحت لدينا في الخليج تجارب ترجمة ناجحة تنبئ عن مستقبل أجمل وأعمق فيما يترجم من الأدب العالمي للعربية؟
- أعتقد بأن مشروع كلمة للترجمة أحدث حراكًا حقيقيًا في نشاط الترجمة، وأتابع على السوشيال ميديا الكثير من الشباب من السعودية والكويت وعمان متفرغين تقريبًا للبحث عن نصٍ جميل بغرض ترجمته للعربية، مثل راضي النماصي وأحمد العلي ومحمد الضبع وموسى بهمن وعلي سيف الرواحي وآخرين. تجارب واعدة ومؤثرة وأنا ممتنة لها.
في تعريفكم لمشروع تكوين قلتم إن هذا المشروع من أجل أن يصبح العالم أجمل.. كيف لمستم جمال العالم فيما قدمتم في الكتابين الصادرين (لماذا نكتب؟ والزن في فن الكتابة)؟
- أعتقد بأن الاشتغال في الحقل الفنّي «يزيد سعة الأرض» إذا كنت سأستخدم التعبير الشهير لأدونيس. إن كتابًا يتحدث بشغف عن فنّ الكتابة، بالنسبة لي، يزيد نسبة الأوكسيجين في دمي ويجعل الحياة أجمل. هذا يتوقف على المتلقي ومدى تقديره لهذا العالم وافتتانه به. وإذا ما فكرت بأن هذين الكتابين الجميلين الذين تلذذت بقراءتهما وشاركت في ترجمتهما قد ساعدا في تعليم الأطفال المعسرين، فوقتها نرى بأن للعمل الثقافي أثراً ملموساً على تحسين الأمور أيضًا. لقد فهمتُ الثقافية دائماً كبنية فوقية، تأثيرها بعيد المدى، تراكمي، وغير مرئي.. مثل أثر الفراشة. اليوم أصبح للثقافة تأثيرًا ملموسًا قابلاً للقياس، إضافة إلى تأثيرها الخفي الملتبس. وهذا في نظري جميل جدًا.