سأل أحدهم برنارد شو: أليس الطبّاخ أكثر فائدة للأمة من الشاعر؟ فأجاب: «الكلاب تعتقد ذلك».
إن أعظم خطر يمكن أن يغزو مجتمعاً هو الانحدار الفكري والأخلاقي. والعصور الوسطى في أوروبا سمّيت بعصور الظلام بسبب انحدار مستوى التفكير. أخد الإيمان بالغيبيات والشعوذة وتقديس الكهنة مكان التفكير العلمي والمنطق السليم، وشاع بينهم التكفير والهرطقة لكل من يخالف فكر الآخر، وحل التعصّب الديني والقهر الفكري في جلسات الأدب، وجرجرت الشعراء والمفكرين إلى المحاكم، وصادرت كتبهم وأحرقتها, وسادت السرقات والرشوة والاستيلاء على أراضي الدولة والفلاحين بحجج كثيرة، منها نصرة الدين المسيحي. وما الحروب الصليبية إلا تتويج لمطامع رجال الدين في الأراضي العربية, التي أسموها أرض اللبن والعسل, وابتعد الناس عن العلم والمعرفة، واتجهوا إلى السحر وسياسة طرد الأرواح الشريرة، وكان إنسان عصور الظلام بكل بساطة أحادي التفكير، وهذا أخطر ما يواجه المجتمعات. استمر الظلام في أوروبا لمدة خمسة قرون حتى تحررت، ووجدوا الإجابات لأسئلتهم الكبرى!
وانتصروا للعقلانية التي انتشرت مع أعمال وفلسفة ديكارت, كما تطورت مجالات المعرفة الإنسانية في الفلسفة والسياسة والعلوم الطبيعية.
أيضاً العرب قبل الإسلام لم يكونوا أقل إحساساً ونبلاً؛ فالأدب كان يشحذ هممهم، ويرفع قيمتهم، ويشيع القيم، وينشر الأخبار. وقد بدأ تقريباً قبل نزول الإسلام بمائة وستين عاماً، أي بدءاً عام 450 ميلادية، واستمر إلى عام 610، أي عند بداية الدعوة الإسلامية. وكانت وظيفة الشاعر في الأدب العربي الجاهلي الدفاع عن قبيلته ومدحها وهجاء القبائل المعادية.
لكن المسلمين أيضاً لم يكونوا معصومين من تجربة عصور من الظلام والانحدار، فقد قال أحد القادة لذريق في رسالة بعث بها إليه يصف بها جيش المسلمين الأول الذي عبر إلى الأندلس بقيادة طارق بن زياد: «لقد نزل بأرضنا قوم لا ندري أهبطوا من السماء أم نبعوا من الأرض» أيام انتصاراتهم التي لم يماثلهم أحد، لكن بعد ذلك خسر المسلمون الأندلس بعد عصر من الانحدار في الفكر والثقافة والقيم الإسلامية وحروب ملوك الطوائف والانقسامات؟! هذا هو ما حدث.
عند وصول الإنسان لعمر الثلاثين، وهي قمة الاكتمال البدني، يبدأ جسمه بالانحدار البدني تدريجياً. الطبيعي أن تكوين الجسم يتغير بتقدم العمر؛ فالانحدار إذن من السنن الكونية للجسد البشري.
فنحن البشر كل ما نفعله هو في سبيل أن نرتقي. نذهب للعمل صباحاً، نتزوج، نكتب، نحب، ننجب، نقرأ.. كل ذلك في سبيل الرفعة والسمو، ولغد ومستقبل أفضل. فالتقدم التكنولوجي الحالي أتاح لنا شخصياً في المملكة أكبر وأوسع منصّة تواصل معرفية ثقافية، هي «تويتر». وبكل ثقة فإن الفرد السعودي قبل تويتر يختلف تماماً عن الفرد بعد تويتر. فالمعرفة والتواصل والتعاطي الفكري جعلت المتابع للمشهد يتساءل عما كان يعتبره سابقاً من البديهيات. صنع تويتر ذلك التواصل الحميمي بين جميع الأطياف من الفرد البسيط والمثقف الناشئ والمثقف المتمرس.. قرّب بين صاحب القرار والمواطن.. ذلك هو الازدهار بكل ما تعنيه الكلمة.
أحلام الفهمي - الدمام