الوسم أو ( الهاش تاق) هو كلمة، أو عدة كلمات، مفصولة بشرطة سُفْلِيّة (_) حتى لا تأخذ من مساحة الأحرف المائة وأربعين في تويتر - خاصّة-. تأتي بعد هذه العلامة (# )في مواقع التواصل الاجتماعي كـ(تويتر، وانستقرام، وفيسبوك)؛ لحصر جميع المشاركات، التي تتحدث عن موضوع بعينه؛ لغاية معينة، كالاهتمام به، أو توجيه الأنظار إليه.
هذه اللفظة المُعرّبة (لفظًا)، مأخوذة من اللفظة الإنجليزية (Hashtag)
وبحسب بحثي المتواضع عن أصل اشتقاقها؛ لم أجد للّفظة المكوّنة من لفظتين إنجليزيتين هما: Hash))و(tag) معنى قائم بذاته في المعاجم الإنجليزية عدا ماجادت به واحدة من نتائج الترجمة بمعنى:(رابطة هاشتاق).
وهذا المعنى لم يُضف توضيحًا، يقودنا للمعنى الحرفيّ للّفظة، فهو كمن (فسر الماء بعد الجهد بالماء)، وكسذاجة المعنى في قول الشاعر:
كأنّهم والماء من حولهم.
قومٌ جلوسُ حولهم ماءُ!
بينما أوجدتْ المعاجم الإنجليزية لكلّ لفظة مستقلة، معنى مستقل؛ فــــ Hash) بمعنى: مزج . وبحسب قاموس أكسفورد الحديث تأتي بمعنى: الوجبة المقليّة من اللحم المفروم والخضار. ولعلّ هذا المعنى المعجمي يوحي لنا - مجازًا- بالقصد من وراء تحويل تلك المعلومات الموسومة، في تلك المواقع للتدليل على أهميّتها، فكما يقال في لغة الصحافة: هذا الخبر وجبة دسمة.
أما لفظة: (tag) فتأتي بمعنى: وَسْم، أو علامة.
والوسم في العربيّة يأتي بمعنى: السِمَة، أيّ: العلامة ؛ فيقال: وسَمَه بالعار، أي: ألصقه به، ووسم فرسه إذا كَوَاه، فأثّر فيه بعلامة، وعليه ما جرتْ به عادة العرب، من وسم الإبل وغيرها من الدواب؛ لمعرفتها، وتمييزها عن غيرها.
وهذا المعنى يدخل ضمنًا في آلية عمل (الهاشتاقات) فبإضافة علامة(# ) سيسهل على الباحث عن موضوع بعينة، معرفة ما قِيل فيه، بعيدًا عن نسبة الضّديّة، أو المعيّة فيه.
لقد درجتْ بين أوساط الشباب مؤخرًا – مع ظهور تطبيق تويتر- لفظة:( هشتقوه) بمعنى: ( مسخروه)، أي: جعلوا منه أُضحوكة، بينما هي في الحقيقة تعني: اغتابوه، وفضحوه، ووضعوا يدهم على زلة وقع فيها؛ فهتكوا ستره، سواء كان هذا (المُهشتق) شخصًا، أو مؤسسة، أو منظمة، أو دولة.
هذه اللفظة التي نبتت مؤخرًا؛ لتُعبّر عن ظاهرة التشويه، وتتبّع السقطات؛ بوضع وسم للشخص المراد تحويله إلى وجبة دسمة تلوكها الألسن، وتُحليّ عليها؛ بقصد النيل منه؛ جعلت الخوض في الأعراض، والغيبة، والنميمة، ترتدي ثوبًا حديثًا قشيبًا، تخفي خلفه الحكم الشرعي لتلك الأفعال المهينة.
فتتبّع أخبار النّاس، والتجسس عليهم؛ لفضحهم؛ وهتك سترهم؛ محرّم ،سواء كان في البحث عن عيوبهم، أو للاطلاع على أخبارهم، لقول الله تعالى: « وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)
ففي الآية الكريمة: نهي صريح عن البحث في أمور النّاس المستورة، وتتبّع عوراتهم.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي صححه الألباني- رحمه الله- وحسّنه:
«يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبّعوا عوراتهم، فإنّ من اتّبع عوراتهم ،تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه في بيته»
كلّ هذه الأمور المنهي عنها: وقعت، وخاض فيها حتى عقلاء القوم، ولم يلتفتوا لحرمة العمل لتغيّر اسمه.
إنّ هذه الحيل التي تسمي الأمور بغير مسمياتها التي عُرِفتْ بها؛ ما هي إلا من المداخل التي تهدف إلى تزيين المحرّمات للخوض فيها، بعد خلع الحرمة عنها، بحجة اختلاف اللفظ، وضياع القصد.
فالحرام الموجع: الذي لو جئت بلفظه الصريح استنكروه عليك؛ لم يُعيي أهل الباطل أن يُركِّبوه موجة التغيير؛ لتقبله دون مقاومة.
سهّل هذا المدخل ؛ أنّ هذه التطبيقات غريبة عنّا؛ مما يساعد على تبييض النوايا السوداء من خلالها.
النفوس بفطرتها مجبولة على قبول الألفاظِ الطيّبة، ورفضِ المضاد لها، فكلّما كان اللفظ لطيفًا؛ تقبّلته، وخاضتْ فيه.
ومن هنا أدخلتنا (هاش تاقات) تويتر في الغيبة، وهتك الأستار دون وعي مِنّا.
كثيرةٌ هي الأمور التي أضحت تُسمَّى بغير اسمها ، وما تسميتها بغير اسمها؛ إلا لجعل المتلقِّي يتقبّلها مستحسنًا، غير مدرك لحكمها الشرعي، لما تضفيه عليها تلك المسميات الجديدة من طابعٍ ليّن يُهوّن من وعورة لفظها الصريح، وشدة حُرمتِه، وهذا منهيّ عنه بإجماع العلماء الذين استشهدوا بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يخبر عائشة- رضي الله عنها- بأنّ الخمر ستُشرب باسم الحلال رغم حرمتها، وعندما سألته: كيف يا رسول الله وقد بيّن الله فيها مابيّن قال : « يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا؛ فَيَسْتَحِلُّونَهَا»
لقد ربطَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين تسمية الخمر بغير اسمها، وبينَ استحلالها. ومن هنا دلّل جمهور العلماء، على وجوب الحفاظ على تسمية الأمور بمسمياتها الشرعية، حتى لاتميع أحكام الشريعة بالتدليس والتحايل.
إذا كان هذا الفعل منهيّ عنه في فجر الإسلام، وسلامة العربيّة، فكيف بزمان ضَعُف فيه الارتباط بكتاب الله- عزّ وجلّ- وسنة نبيه-صلى الله عليه وسلم-، بل وباللغة التي جاءت بهما؟!
ألا يسهل التلبيس بعد هذا على هذا الجيل في دينه؟ !
أثق – من باب حسن الظن- أنّ السّواد الأعظم، ممّن شاركوا في هذه ( الهاش تاقات) لم يربطوا بينها، وبين الغيبة، والنميمة، والتجسس، وتتبّع العورات، لذا خاضوا مع الخائضين.
حتى يعود ديننا صافيًا، كما تلقيناه صافيًا من منابعه: علينا أن نحرص قبل الخوض – خاصّة في عِرض مسلم- أن نتثبّت من إرجاع الأمور إلى نصابها، بل ونترفع عن المشاركة في كلّ ما يتعلق بفضيحة، أو هتك ستر.
فإذا كان هو مادة ( الهشتقة) الدسمة اليوم، ربما تكون أنت غدًا، أو بعد غدٍ مادتها أيضًا!
حريّ بنا -بعد أن عرفنا كلّ هذا -أن نتحلّى بأخلاق الكرام التي قال عنها الشافعي- رحمه الله-:
إذا رُمتَ أن تحيا سليمًا من الرّدى
ودينك موفور وعِرْضُكَ صَيِنّ
لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ
فكلك عورات وللنّاس ألسنُ
وعيناك إن أبدتْ إليك معايبًا
فدعها، وقلْ يا عين للنّاس أعينُ.
أسأل الله أنْ يسترنا جميعًا: فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض!
زكية العتيبي - الرياض