يحتفل القراء والناشرون هذه الأيام بمعرض جدة «الدولي» للكتاب، وهو لا يحمل رقماً تسلسلياً لأن المعارض وفعالياتها غائبة عن أجندة القائمين على خطط التنمية، وتنظيمها يتم حسب الظروف و»التساهيل»، والفعاليات المصاحبة لها تصوغها لجان غامضة، وتدار وفق العلاقات الشخصية، ويستعار جزء كبير منها من أروقة الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة، وقليل منها يقترب من هموم صناعة النشر والناشرين وتحولاتها وتحدياتها.
كلام كثير قيل حول هذا لكن الأمل محدود أو مفقود، ولا أحد ينشغل بتدارك الأخطاء أو التماس العمل الجماعي فقد تمادت فئات محددة في استحواذها على رسم البرامج، ولا ندري لماذا تم تغييب أسماء مهمة في جدة وما حولها عن البرنامج الثقافي المصاحب، ولماذا بخلت إدارة المعرض فلم تبادر إلى تكريم رواد صناعة النشر في جدة أو الرموز الثقافية والأدبية ممن هم على قيد الحياة ولهم بصمات مهمة في المسار الثقافي، وأذكر هنا على سبيل المثال الأساتذة محمد صالح باخطمة، علي العمير، نجاة خياط، يحيى توفيق حسن، عبد المحسن حليت، عباس طاشكندي، محمد الوزير، عصام خوقير، عبد الرحمن المعمر، محمد سعيد طيب، عبد الله فراج الشريف، عبد الوهاب أبو سليمان، وفي المجال الفني إبراهيم خفاجي، عبده مزيد، سراج عمر، غازي علي، طلال باغر...
المعرض جزء من الصورة الثقافية التي أعادها إلى جدة الشاعر والمثقف الأمير خالد الفيصل وهو الذي أحيا مشروع سوق عكاظ، وفتح باباً للقطاع الخاص ليؤدي دوره وشراكته، وبث الحياة في مبنى مكتبة الملك فهد العامة التي ظلت مهجورة عقدين من الزمن.. وكان الأجمل أن تتحرك المؤسسات الثقافية الرسمية لتعمل وفق رؤيته وتنشط وتخلص في أداء رسالتها وتنويع برامجها وتخرج عن التقليدية والنمطية التي هيمنت عليها، وغيبتها في أبراج عاجية تعزلها عن الجمهور.
إرهاصات النجاح وعلامات الابتهاج بالمعرض تفرض على وزارة الثقافة والإعلام إعادة النظر في أسباب وملاح تدني صناعة النشر والتوزيع في المملكة وتساقط مئات من دور النشر التي تبدأ نشطة متحفزة تواقة ثم تغيب نهائياً، ولا يبدو العيب في السوق أو القارئ فالأنماط البيروقراطية التي يتعرض لها المؤلف والناشر يجب أن تتغيّر، وأولها أشكال الرقابة ومهارات الرقباء، وانتهاء بتكاليف الطباعة في الداخل، وتراجع دور المؤسسات التربوية والثقافية في دعم الجيل الجديد وتوثيق علاقته بعالم القراءة والكتاب والوسائط المعرفية.
هذه الظروف أدت إلى انخفاض مستوى الناشر المحلي فهو غير مهتم بخطوات أصيلة في النشر مثل التحرير الأدبي، والتدقيق اللغوي، وانتهاء بندرة الفنانين المسؤولين عن الإخراج، وتصميم الأغلفة، واختيار شكل الطباعة.
بادرت إمارة المنطقة إلى إعادة هذه السوق الثقافية الكبيرة لكن ذلك لا يعفي وزارة الثقافة والإعلام من أداء دورها في رعاية المعرض وصياغة البرامج المصاحبة له كما هي مسؤولة عن تعضيد دور الناشرين ومساندتهم لأداء رسالتهم ورفع مستوى مهنتهم بتفعيل «جمعية الناشرين السعوديين» التي ولدت ميتة. كما على الوزارة، ممثلة في رقبائها، أن تخجل من إعادة بعض الكتب المعروضة إلى قوائم المنع كما نرى في كل معرض تتاح فيه آلاف العناوين ثم تختفي من رفوف المكتبات والموزعين المحليين بدعوى أن فسحها كان لمعرض الكتاب فقط!
هذه الخيمة الثقافية الكبيرة التي نصبت على رصيف شارع تلهو حوله النوارس تضيف فصلاً جديداً في حكاية أعراس المعرفة والثقافة بجدة يجب أن يلقي دروساً شتى، وعلى كل الجهات أن تتعلم من أجل إتقان يحد من عودتنا إلى نقطة الصفر عند كل مناسبة.
محمد المنقري - جدة