من يعدوننا بالجنة على الأرض لا يعطونا سوى الجحيم
كارل بوبير
في كتابها الصغير «40 في معنى أن أكبر» تضعنا ليلى الجهني في مأزق مواجهة المصير مع الزمن والعمر وكوننا نكبر دون دفاعات ضد تقادم الحياة مأزق المواجهة معنا.
والقضية ليست في العمر ولا الزمن ولا التقدم في السن ولكن المأزق في معضلة التخفف من حمولات الحياة ومن مواجهة أسئلتها الكبرى ومحاولة جرد حسابات الربح والخسارة.
ومن قال إن الحياة مشروع مربح؟ (ما من حياة هيّنة, وما من حياة بسيطة أو تافهة, كل حياة معقدة بطريقتها الخاصة) هكذا تقول.
ولعل أفدح خسارات العمر هو موت الدهشة، الدهشة التي تولد معنا عندما نكون أطفالاً وتأفل كلما مضى بنا العمر حتى تتساوى لدينا الأشياء والجهات والأمس والغد وتغدو كل الحياة انتظارات مؤجلة.. انتظارات ما لا نعرف نحو ما لا ندري ما الذي سيكون.
ولتجاوز هذا المصير تغدو المعرفة هي الهاجس، المعرفة والوعي هما ما يمنحنا الحصانة ضد خيبات الحياة وتجنب الضرر والإيذاء غير المبرر.. إيذاء العابرين مثلنا لصراط الحياة.
(إن الذي يعرف ينأى أكثر فأكثر عن صخب السطح وضجيجه، يغور وحيداً وقد يفزع، أجل إن من يعرف لا يؤذي لأن الإيذاء خسارة في الروح وقد يتوحش وقد يألم بل إنه سيألم لكنه أبداً لا ولن يؤذي).
الحقيقة إن الأربعين من العمر ليست بالعمر المتقدم خصوصاً بعد أن تقدم الطب كثيراً واعتنى برفاهية الجسد غير أن كل هذا التقدم الهائل في مجال الجسد ظل فقيراً في عون الروح بل وزادت اغترابات الإنسان ووحدته في عالم موغل في التوحش والاستبداد المادي وما من عزاء للأرواح الشفيفة الأرواح التي يتوزعها الألم مرتين، مرة لأنها تتألم وأخرى لأنها تعي والقول لليلى.
(كان واحداً من آمالي الكبرى أن أموت في الثلاثين، أردت وأريد دائماً أن أموت تامة، لا أريد أن أحيا حتى أرذل العمر، ولا أن أذوي شيئاً فشيئاً، ترعبني تكاليف الكبر، الآن وقد فاتني أن أموت في الثلاثين فإن الأربعين تبدو تماماً مثلما قالت أروندهاتي: ليست سناً متقدمة وليست سناً صغيرة لكنها سنٌ صالحة للحياة وصالحة للموت).
هذا الإحساس بلا جدوى الحياة بكل ما فيها من الجمال لم يأت من العدم ولا لمجرد النقمة فقط لكنها تشكلت عبر قائمة طويلة من إخفاقات القلب والأحلام والناس وما نظن أننا نستحق والأكبر من كل ذلك وجع من نحب، عندما نكبر ونكتسب الضمانات المطلقة ضد الخوف والموت تغدو قضيتنا هم من أحببنا أو من أحبونا دون شرط والوحيدون الذين نحن مستعدون لمشاطرتهم شهقة الهواء الأخيرة ويغدون هم والخوف عليهم ألمنا الوجودي وغير القابل للشفاء.
وليلى مرة أخرى تقول (إني أكبر وأفكر في أيامي الغابرات.. يا لأيامي الغابرات.. يا لبسمة أبي التي لم تعد ما كانت عليه من قبل.. يا للصداقات تحللت تحت رمل الأعوام التي عبرت وتلك التي ستعبر علي أو دوني، يا لكتبي التي تتراكم فيغدو خرابي معها واااااااسعاً.
ويكفي يا ليلي.. يكفي.
عمرو العامري - جدة