يحث موقع ديبريت لآداب اللياقة أو ما يعرف بالإتيكيت البريطاني على ضرورة العودة إلى كتابة الرسائل بخط اليد، منبهًا إلى خطورة البريد الإلكتروني وقبح الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية الغاضبة، ويتساءل القائمون عليه عن أي إرث من حضارتنا سنتركه للأجيال القادمة إن كان كل ما نملكه هو البيانات البنكية والوثائق الرسمية، ولا بد من محاربة هذه العتمة بكتابة رسائل الحب والعائلة، وأن نستعيد تركيزنا الذي سلبته التقنية بالاعتماد على خاصية المسح دون تلويث الورقة بلطخ الحبر!
ظل فن كتابة الرسائل يحتل حيزًا لا بأس به – إن لم يكن كبيرًا- من الأدب الإنجليزي والفرنسي على الأقل بحسب ما وصلنا أكثر من الآداب الأخرى، وإن لم تكتب تلك الرسائل بالدرجة الأولى بغرض النشر، لكنها صارت بعد ذلك متاحة بعد وفاة أصحابها بما يمنحنا صورة عن مجتمعات لم نعش فيها، إلا أننا عشناها بطريقة أو بأخرى. وقد كانت نوعًا من الكتابة يمارسه الجميع- رجالًا ونساءً- كلٌ بحسب قدراته ومواهبه الأدبية إن صح التعبير.
من الواضح أن النساء بدأن كتابة الرسائل في القرن السادس عشر كما تشير إلى ذلك فرجينيا وولف في حديثها عن دوروثي أوزبورن في كتابها القارئ العادي/ الجزء الثاني، منبهةً إلى أنها - دوروثي- لو ولدت بعد هذا التاريخ بقرن لكتبت الرواية، ولو ولدت قبله بمئة عام لم تكن لتكتب شيئًا، فهي نفسها كانت تستهجن كتابة المرأة، غير أنها لم تعتبر كتابة الرسائل من هذا النمط من الكتابة الذي قد يجلب لها استهزاء المجتمع وتجريح كبريائها.
على أية حال، ليست حالة دوروثي فريدة في ذلك العصر، فمثلها كثيرات لجأن إلى كتابة اليوميات أو الرسائل للتعبير عن ذواتهن وأحلامهن وأفكارهن، أو حتى لتبادل الإشاعات والأمور اليومية العادية الباهتة كما كانت دوروثي تفعل في رسائلها إلى حبيبها تمبل.
ما فعلته دوروثي فعله مثلها كثير سواء في الغرب أو في الشرق، ولدينا في المكتبة العربية الكثير من الكتب التي نشرت فيها رسائل متبادلة بين الأدباء (الرجال إلى الرجال، أو الرجال إلى النساء)، والأمثلة على ذلك كثيرة يصعب حصرها كلها، لكن لعل أشهرها رسائل مي زيادة وجبران وغسان كنفاني وغادة السمان وعبدالرحمن منيف ومروان قصاب باشي وغيرها. وقد يبدو الأمر طبيعيًا حتى الآن، لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل هناك رسائل متبادلة بين امرأة وامرأة؟ أعني ليس على الصعيد العائلي، بل بين نساء يعملن في المجال نفسه، ولنقل بين الأديبات وهو مجال حديثنا هنا، لماذا لا تكتب النساء رسائل يخاطبن فيها عقول بعضهن بعضًا كما يفعل الرجال؟ والمقصود هنا نمط الرسائل المعتاد الذي يتطلب مرسلًا ومرسًلا إليه وعنوانًا بريديًا، ولا أقصد الرسائل العامة – أو بالأحرى الخطابات- التي قد توجهها الناشطات في مجال تحرير المرأة (أو عكسه) إلى نساء العالم، ما أحاول إثارة التساؤل حوله، هو كتابة الرسائل بشكل شخصي.
يقال إن المرأة عدوة المرأة، أو بمعنى آخر تغار المرأة من نظيرتها، وقد لا تأمن أن تسرق هؤلاء بعضًا من أفكارها، رغم أن هذا الأمر واردٌ في عالم الرجال أيضًا لكن هذا الهاجس لا يستحوذ عليهم، يمكنني القول إن هنالك الكثير من النساء اللاتي يفكرن بهذه الطريقة، وترى كل واحدة منهن أنها أكبر من أن تتعاطى مع قريناتها، وبخاصة إذا جمعتهن مهنة واحدة، وخاصة إذا كانت صاحبة الأفكار الجديدة أصغر منهن. هل هي حقًا عقدة «خيانة الأخوات»؟ ألا يخون» الإخوة»؟ تقتصر كتابة المرأة للمرأة - بحسب ما اطلعت عليه حتى الآن وكلها إصدارات غربية- على رسائل لنساء لا تعرفهن ولا تعرف عددهن رغم أنها تدعوهن أخواتي، كما فعلت أندريا دوركين مثلًا في كتابها رسائل من ساحة الحرب، وكانت تركز على أمور عامة وخاصة في الآن نفسه، أعني أنها قد تحدث لكل بنات جنسها ولها على حد سواء.
يتفق الباحثون على أن النساء بارعات في كتابة الرسائل، ومن تجربة شخصية – قد لا تكون مناسبة للتعميم- يمكنني القول إنهن كذلك، لكن أكثر صديقة صمدت معي في موضوع المراسلات كتبت لي ثلاثًا فقط، فهل السبب لعنة صندوق البريد التي تطاردني أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ تتساءل بيبلونة!!
بثينة الإبراهيم - الكويت