زرته بمنزله بجدة قبل نحو سبعة عشر عاماً وأعجبت بثقافته وسمو خلقه واحترامه للرواد وتقديره لهم وبدأت محبتي له التي تحولت إلى صداقة، تحدثنا عن عدد كبير من الرواد وتوقفنا كثيراً عند عبدالكريم الجهيمان عندما عرف علاقتي به، وطلب مني أن أزوده بكتابيه (الأساطير والأمثال الشعبية) لأنهما مليئان بالمعاني والقيم التي يحتاج إلى توظيفها في بعض أعماله وتدريسها لطلبته.
وكان له لقاء حميمي بأستاذنا عبدالكريم الجهيمان عند حضوره لجدة بدعوة من صاحب الإثنينية عبدالمقصود خوجه لتكريمه مطلع عام 1421هـ / 2000م وكان لقاءاً مؤثراً. فأصبحت كلما أزور جدة لابد من وقفة أو زيارة عجلى له في صومعته. يعرف أصدقاؤه القليلون أنه رهين منزله وحيداً بعد وفاة والدته - إذ إنه لم يتزوج - ويُعطي بعض الطلبة دروساً في الموسيقى والغناء بمنزله المتواضع.
احترمت رغبته ببعده عن الأضواء، فكنت أستعين بصديق الجميع الصحفي الفنان علي فقندش للوصول إليه. وكان في كل زيارة يهديني شيئاً من أعماله القديمة والجديدة من قطع موسيقية أو أغاني له أو لغيره ممن لحنها لهم.
عرفت منه جزءاً يسيراً من سيرته بدءاً من ولادته وطفولته بالمدينة المنورة عام 1357هـ/ 1938م وفقدانه لوالده صغيراً، ورعاية واهتمام والدته به وحرصها على تعليمه في المدينة ثم في جدة حيث درس الإعدادية في المدرسة النموذجية بمدينة الملك سعود التعليمية، التي كان على رأس إدارتها السفير محمد عبدالقادر علاقي، ثم انتقل إلى القاهرة لدراسة الموسيقى سنة 1960م، حيث كان مولعا بها منذ صغره، وهناك أكمل الثانوية بمعهد الموسيقى، والفضل في ذلك يعود إلى أبو بكر خيرت، الذي ونظرا لرغبة العديد من الطلاب في دراسة الموسيقى، أنشأ مدرسة ثانوية بالمعهد، حيث كان الطلاب يدرسون من الساعة 9 صباحا - 2 ظهراً دروسا موسيقية متنوعة، ثم من الساعة 4 عصرا إلى 8 مساء دروسا علمية متعلقة بالمنهج الثانوي التعليمي، وذلك لمدة ثلاث سنوات، ليتخرج الطالب ويكمل دراسته الموسيقية المتخصصة بالمعهد لمدة أربع سنوات، وبذلك فقد تخرج الموسيقار غازي علي من المعهد سنة 1967م بعد أن قضى به قرابة سبع سنوات في دراسة متخصصة جادة.
وكان اهتمامه بالموسيقى والغناء قد بدأ مبكراً مما شجعه على التخصص فيه وكانت دراسته بمعهد (الكونسر فتوار) بالقاهرة ولمدة سبع سنوات انتهت عام 1967م المعروفة بسنة النكسة. فنجد مندوب (مجلة قريش من مكة) بالقاهرة يكتب عنه بعددها (63) الصادر يوم الثلاثاء 7 شعبان 1380هـ الموافق 24 يناير 1960م تحت عنوان: (فنان سعودي يدرس بأكبر معهد موسيقي) الفنان غازي علي سعودي الجنسية.. سيظهر قريباً وسيسمع صوته من إحدى الشركات بالقاهرة في تسجيل خمس أناشيد وطنية محلية.. ثلاث منها من ألحانه وأدائه وآخر من تلحين بليغ حمدي وأداء (غازي علي) واللحن الخامس من تلحينه وأداء فنان عربي مشهور.
وفي مقدمة هذه الألحان أنشودة تذاع من الإذاعة السعودية وهي أنشودة (على باب الكعبة).
هذا الفنان من المدينة المنورة تلقى تعليمه الثانوي فيها ثم اشتغل بالإذاعة السعودية فترة قدم خلالها بعض الأناشيد الوطنية.
ولكن موهبته واستعداده الفني.. وطموحه أبى عليه إلا أن يغذ السير في طريق الفن.. فيدرس الموسيقى على أسسها وقواعدها ليقدم لبلاده إنتاجاً محلياً متطوراً يتماشى مع تطور الحياة الفنية في هذا العصر.
فسافر إلى القاهرة والتحق بالمعهد الايطالي فأبدى نشاطاً ملموساً وأعجب المعهد بموهبته الصوتية ومقدرته الفنية.. فمنحه مكافأة بأن قدمه هدية إلى معهد (الكونسرفاتوار) أرقى وأكبر معاهد الموسيقى بالقاهرة ليدرس دراسة واسعة ويتدرب التدريب الكافي بحيث يساير آخر ما وصلت إليه الموسيقى العالمية وهو لا يزال الآن في هذا المعهد يدرس وينتج ومدة الدراسة خمس سنوات.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الفنان كان قد اشترك في رحلة طلبة الجامعة السعوديين إلى انشاص منذ شهرين فقدم خلالها بعضاً من الأناشيد الوطنية كانت من ألحانه ومن كلمات الشاعر الكبير الأستاذ طاهر زمخشري.. ملك فيها قلوب الطلبة ولاقت بينهم الاستحسان والقبول.
تهانينا إليه وإعجابنا الكبير به ونتمنى له كل تقدم وتوفيق في ظل الفن السعودي حتى نراه هو وأمثاله يحفظون لنا تراثنا.
وكان يزور المملكة في العطل الدراسية ويلتقي بمحبيه ويزور بعض الرواد الذين يهتمون بدراسته يذكر منهم الشاعر الكبير طاهر زمخشري والمشهور وقتها بـ(بابا طاهر) لكونه يقدم برنامجاً للأطفال بالإذاعة ويصدر مجلتهم الأولى والوحيدة بالمملكة (الروضة) فنجد مجلة قريش التي كانت تصدر بمكة لشيخ الصحافة المكية أحمد السباعي تحتفي به عام 1380هـ / 1960م وتكتب عنه تحت عنوان: (النجم اللامع غازي علي) قائلة: «.. وفي بيت (بابا طاهر) الرجل الذي إليه فضل تنشئة جيلنا الصاعد، اجتمعت بفنان، يتمتع بكل صفات الفنان الحق، ويملك الأصالة الفنية الكاملة! إنه الفنان السعودي الصاعد غازي علي! الفنان الأصيل، الذي عشنا معه ليالي بلادنا، بكل حلاوتها بالقاهرة، والذي استطاع بخبرته الفنية، أن يجعلنا نعيش في بلادنا، كل بلادنا، في مكة، في المدينة، في جدة، في الرياض، في كل قطعة من مقطوعاته الفنية الرائعة، كنا نحس، بأننا نعيش في بلادنا المتطورة الناهضة رغم بعدنا عنها.. وهناك عرفنا قصة هذا الشاب!
أنها قصة كفاح رائع مجيد!
واستطاع، غازي علي، بكفاحه، وجهاده، أن يرفع رؤوسنا، في غربتنا، حيث جعلنا نستطيع أن نقول، في ثقة إن لدينا فناً سعودياً، يقف إلى جوار أي فن!
والحق، أن أي مكابر، إذا اجتمع بهذا الفنان، واستمع إلى روائعه، لا يملك إلا أن يقول الحق، ويعترف لغازي علي، بأصالته، وبمقدرته الفنية، على الخلق والتطوير والابتكار!
ومن أعمال غازي علي، ما يجعلنا، نثق فيه، ونتأكد، من أنه هو وحده، سيضع لنا، أمجادنا الفنية، وسيبني لفننا السعودي، الأساس المتين، الذي سيرتفع، فوقه البناء، إلى القمة إن شاء الله!
وأذكر، من تلك الأعمال الفنية الخالدة، التي سيسجلها له تاريخنا الحديث، بأمانة، أنه استطاع، أن يبلور بعض ألحاننا الشعبية (الفلوكلور)، حيث وضعها، في قالب جديد، مبتكر، ووزعها، توزيعاً موسيقياً رائعاً، فخدم بذلك بلاده، أجمل خدمة، حيث طور ألحانها، وخلدها!
إن ميزة غازي علي، الفريدة الرائعة، هي، الخلق، والابتكار، والتواضع الذي سيرفعه إلى القمة التي نتمناها له!
ولا أغالي، إذا قلت، إن غازي علي، هو أول سعودي استطاع أن يحمل لقب فنان بارع، عن جدارة، وكفاءة، واستحقاق!
أما ألحان غازي علي، فإنها تصل، إلى مستوى، السيمفونيات، الموسيقية الخالدة، وأذكر منها، المثال، لحن (بين ذراعيها)، الذي كتب كلماته والدنا، الأستاذ طاهر زمخشري والذي انتزع الإعجاب من قلوب كل من سمعه، والذي يعتبر كما قال أحد من سمعه يعتبر لحناً فوق مستوى الفن، لأنه لوحة تصور الكلمات والصور التي صاغها بابا طاهر شعراً، تصويراً دقيقاً رائعا!
ويكفى أن نعرف أن غازي علي، أول فنان سعودي يدرس أصول الموسيقى والغناء، بأرقى معهد موسيقى «الكونسرفتوار» وأنه منذ التحاقه بالمعهد، وهو يحصل على الأولوية بجدارة، على كل زملائه، ومن بينهم، كمال الطويل، وبليغ حمدي، وسعد عبدالوهاب!
إن غازي على أملنا الكبير!
فهو الذي سيخلق للفن السعودي، الكيان اللائق به!
وإليه وحده، يرجع الفضل في تطوير موسيقانا والحاننا السعودية الشعبية، والارتقاء بمستواها، إلى أعلى مراتب الفن، بل إلى ما فوق مستوى الفن، خاصة بلحنه الخالد (بين ذراعيها)!
فلينصر الله غازي علي، ويحقق آمالنا الفنية العظيمة على يديه»!
وفي العام التالي نجد قريش تجري لقاء سريعاً معه بقلم عبدالعزيز عمر صيرفي، ففي العدد 116 الصادر بتاريخ 19/9/1381هـ تحت عنوان: غازي علي نقرأ..
«لقاء سريع مع الفنان غازي علي رب فرصة خير من ميعاد!
ولقد كانت فرصة سانحة حينما زار الفنان المعروف غازي علي مطابع دار قريش.. وقد انتهزت هذه الفرصة السعيدة وأجريت هذا اللقاء..
قلت للفنان غازي علي:
كيف بدأت دراستك الموسيقية؟ قال: بدأت دراستي الأولية في المعهد الايطالي (كلاوديو مونتي فيردي) والدراسة فيها تشمل الموسيقى الكلاسيكية الحديثة.
وسألته ما هي الفنون الموسيقية التي تدرسها بالمعهد الايطالي!
فأجاب قائلا: درست في المعهد الايطالي آلة البيانو، والدراسة الأساسية في هذا المعهد بالنسبة لي (الصوت). ما يعرف (بالفوكاليز)
وعدت اسأله: هل تنوى تقديم أغان جديدة؟
فأجاب. اختارت لي الإذاعة أربع أغاني لتسجيلها للدورة القادمة أحد هذه الأغاني أغنية (سواح).
وهنا سألته: ما رأيك في تقدم الفن الموسيقى في بلادنا؟
فقال: فعلا عندنا تقدم في الفن ولكن رأيي هو تنمية هذا الفن أو هذه المواهب بالدراسة والصقل. عندنا ولله الحمد براعم جديدة جيدة قابلة وقد لاحظنا أن بعض صحفنا المحلية مثل قريش بدأت تهتم بالفن والفنانين».
وفي العام الذي يليه تلتقي به قريش ففي العدد 130 الصادر يوم الثلاثاء 7/3/1382هـ 17 أغسطس 1962م نقرأ الخبر التالي: «الفنان غازي علي.. وصل الفنان غازي علي من القاهرة بعد أن تخرج من معهد الموسيقى (الكونسور فوتوار) الذي كان يدرس فيه، ومن الجدير بالذكر أن غازي حصل على شهادة المعهد بتقدير عال» وفي الحقيقة أنه نجح من السنة الأولى بالمعهد.
وفي حديث آخر معه نجده يذكر مدى عمق علاقته مع أستاذه الموسيقي رياض السنباطي بعد أن سمع أغانيه تذاع من (صوت العرب) يذكر منها (راوبي قباء) و(شربة من زمزم وسقاني) فاكتشف لديه موهبة التلحين مما حمله على تبنيه فأصبح يرافقه بسيارته بدل أن يعود مع الطلبه في الحافلة من شارع الهرم - حيث مقر المعهد، إلى حي العجوزة حيث مقر السكن.
حصل على شهادة البكالوريوس في التأليف الموسيقي من الكونسرفتوار، ومنها إجراؤه أبحاث في الموسيقى والغناء عن طريق اليوجا وما فيها من طرق التنفس السليم للعازف أو المغني وذلك في مدينة برايتون بانجلترا لمدة خمس سنوات بين عامي 1970م إلى 1975م.
ثم العودة لجدة ليعمل في الأعمال الحرة في مجال الموسيقى تلحيناً وغناء. وتوافق ذلك مع تأسيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون، حيث عمل مدرساً بها لمدة عام ونصف تقريباً.
وما زال يمارس التدريس وتطبيق النظريات على الطلبة الذين يدرسون لديه، وقد لمس النتائج المبهرة التي ظهرت على طلبته.
أما عن بداياته المبكرة فيقول إن لبرنامج الأطفال الفضل الأول وهو الذي حوله إلى هاو للغناء مما صقل موهبته ونماها، فهو الذي لحن جميع أغانيه ماعدا (على ضفة الوادي) و(تمهلي يا شمس لا تغيبي) و(الربيع) فقد لحنها له طارق عبدالحكيم.
وقد لحن لكثير من المطربين العرب يذكر منهم: فايزة أحمد (قصيدة شكوى).. ونازك (يا ندامة) وسعاد محمد (هاهنا كنا مع الحب سويا)، وعايدة بو خريص (جدة)، وهناء الصافي (الليلة يا أم العروسة)، ومحمد قنديل، وفهد بلان، وسميرة توفيق، وعلي الحجار وماهر العطار وغيرهم.
كما لحن لطلال مداح (سلام الله يا هاجرنا)، و(أسمر حليوه) و(اسمحو لي أقولكم)، كما لحن لمحمد عمر وعبدالمجيد عبدالله، وعبدالله رشاد. وله مؤلفات موسيقية عن (ليوث الحرب) عزفت في أوركسترا القاهرة السيموفوني بقيادة د. مصطفى ناجي، و12 قطعة موسيقية باسم (إشراقه).
غنى أكثر من 50 أغنية وإن اشتهر بأغانيه الوطنية التي يرددها الكثير ومنها: شربة من زمزم، ربوع المدينة، روابي قباء، سلمى، لا تسافر، ويلك من الله، بلدي، من الظهران.
ويعتبر غازي علي باجراد من أهم الفنانين السعوديين، ومن أكثرهم ثقافة ومن أوسعهم علما بالموسيقى، وفوق ذلك فهو يقرأ لأشهر الكتاب والمؤرخين والشعراء من شكسبير إلى طه حسين وأحمد شوقي وأحمد رامي وطاهر الزمخشري وأحمد قنديل والغزاوي والقصيبي وعبده خال والثبيتي وحسين سرحان والجهيمان.
لقد تخرج في مدرسته أسماء فنية لامعة نذكر منهم على سبيل المثال الفنان طلال سلامة صاحب الصوت العذب والصوت المفرد عباس إبراهيم.
كرم غازي علي في مهرجان الرواد تحت رعاية جامعة الدول العربية في الدورة الأولى عام 1999م كما كرم في معرض جدة الدولي للكتاب والمعلومات.. »:
• مثل المملكة في المهرجان الثاني عشر التونسي 1979م.
• شارك في مهرجان الأغنية الأول كمحاور في البحرين 1980م.
• شارك في الملتقى الثقافي الأول في الجماهيرية الليبية 1991م.
• ساهم في التلحين في مهرجان القاهرة الدولي الثالث للأغنية بصوت المطرب محمد عمر 1997م.
• اختير حكماً في لجنة مهرجان العود الذهبي في القاهرة 2000م.
لقد أثبت غازي علي بحق أنه صاحب موهبة فنية تضعه متفرداً على كرسي الأستاذية الموسيقية موجهاً ومنظراً ومعلماً.. ولو كانت لدينا كليات ومعاهد موسيقية لكان غازي علي الأكثر استحقاقاً لقيادتها ورسم ملامحها المنهجية.
- الرياض