عدد لا بأس به من الإصدارات الأدبية والثقافية تعتلي مصاف الأرفف الأولى في المكتبات، بسبب حصولها على جوائز أو التسويق الجيد لها. بطبيعة الحال قطاع المكتبات، يجب أن يعمل على الترويج على نمط الكتب الأكثر مبيعا،ً وكأي قطاع خدمي يهدف لجني الأرباح المادية ويمارس على نطاقه الصفقات المعلنة وغير المعلنة بينه وبين دور النشر والموزعين وقنوات التسويق. هذا أمر جيد ما لم يخل بالقوانين المتعارف عليها.
إذن قطاع الكتابة وما يرافقه من خدمات يعج بالكثير من الأمور التي تتطلب تضافر القائمين عليه لنشر وعرض وترويج ما يكتب بالشكل الذي يعود بريعه الطيب. هذا كما في كل الأعمال الإبداعية التي تقوم حول منتج المبدع (رسم، تمثيل، غناء، كتابة،... إلخ) إلى لحظة وصوله إلى المتلقي. في الغالب هناك مرحلة مهمة يتولاها الحقل الصحفي والإعلامي بهدف ترويجي يعد المتلقي لما سيعرض له.
في صيغ التفضيل المسبوق بـ (ال) التعريف التي تأتي قبل اسم المبدع أياً كان، نجد كثرة استخدامها من قبل المروجين سواء في الصحافة أو الإعلام أو شبكات التواصل الاجتماعي سواء لمنتج المبدع أو للمبدع ذاته، مثل: الأكبر/ الكبير الأنجح الأشهر / المشهور الأفضل الأحسن .
لا ضير في ذلك؟
هنا وقفة عزيزي القارئ لمدلولات تستوجب الانتباه إلى أن هكذا استخدامات لغوية تُري شغف المفاضلات في المجتمعات والذي يجعل المتلقي مشرئب العنق متمعناً للاسم المروّج له قبل عمله في كثير من الأحيان، لنصل لنتيجة واحدة: التصنيفات غير الموضوعية فقاعة تُكتشف من قبل المتلقي طال الزمن أم قصر. وهذا بالطبع يفقد مصداقية حلقة القنوات الداعمة للمنتج الإبداعي والمبدع نفسه. هذا التفاضل المبني بعاطفة المفاضلات غير العلمية والتي تعتمد على ذائقة / رأي / مصلحة أفراد وجهات أياً كانت تؤذي في الصورة العامة المساهمة في ترويج منتج ليس كما تم نعته بكلمات ترغب في الإقبال عليه.
يؤطر قطاع الخدمات بأنواعها في الكثير من الدول بمرادف مؤسسي لحماية المستهلك. هذا يشير إلى وعي الجهات المختصة بقيمة الفرد في المجتمع؛ بالإضافة إلى الحرص على الصورة العامة في تلك الدول للحفاظ على قيم بعينها يخضع من ينتهكها للمُساءَلة القانونية.
ماذا عن قطاع الإنتاج الإبداعي؟
نعم القضية شائكة جداً وتطلب قبل كل شيء وعياً من المستهلك، أعني المتلقي ولكن ليتم ذلك بشكل جمعي يتطلب أن تكون هناك ثقافة توعوية من الجهات مختصة توقف استخدامات صيغ مطلق التفضيلات في الترويج للأعمال الإبداعية والمبدعين بشكل ساذج، والذي حتماً يؤثر في رأي المتلقي ولو لوقت وجيز، ويضر ببقية ما يعرضه المبدعون بشكل إقصائي من المشهد الثقافي، ولا يتيح تناول منتجهم بشكل متساوٍ، فينالوا حظ الانتباه لوجوده كما غيره. لم لا تكون هناك حيادية من قبل المروّجين للحديث عن المنتَج قبل المنتِج بشكل موضوعي يسرد عن كلاهما ما شاء ولكن مع تجنب استخدام صيغ التفضيل المطلق المعرضة كليهما؛ المنتَج والمنتِج لخطر السقوط.
التجربة خير برهان:
يمكنك عزيزي القارئ أن تستحضر من ذاكرتك أو أمام بحثك بالشبكة العنكبوتية لنماذج عدة سواء في إقليمنا العربي وغيره لأسماء: عازف / أغنية / ممثل / رواية / ديوان / فيلم... إلخ سبق ظهور / تدشين المبدع ونتاجه الإبداعي حشد جيد من الترويج ولكن بعد أن واجه وعي المتلقي كانت النتيجة محصلة غير موازية للدعاية والطموحات المرجوة. حتى وإن كان هناك نجاح أهّل المبدع و/ أو عمله للوصول إلى المصاف الأولى وهو ليس أهلاً له، سيأتي وقت لشريحة من المتلقين وتكشف عن هذا الادعاء والمحصلة بالتأكيد لن تكون في صالح المنتَج والمنتِج ولا من انتقى العمل ووضعه أمام المتلقي كمحكم أو ناقد أو صحفي أو إعلامي أو حتى مدعيي الثقافة بغرض الترويج.
الثقة أمر يُبنى على خبرة، والجودة بتفاوت درجاتها تطلب معياراً / معايير في كل ما يعرض لتصنيف مركزها في قائمة موضوعية يرتكز عليها المتلقي أياً كانت خلفيته الثقافية.
ما يبنيه العلم لا يغيره إلا العلم! هكذا نهج الطبيعة في تطور حياة الإنسان، القائم على أمر الفكر والإنجاز الهادف.
آن الصافي - أبوظبي