يقول أندرو ماثيوز في كتابه الشهير كن سعيداً (القاعدة تقول: فكر في شيء ما وستجد نفسك تقوم به. حتى وإن كان هذا الشيء غير مرغوب فيه. فما دامت هذه الأشياء هي التي تشغل تفكيرك فسيتجه عقلك بالضرورة نحوها.
إن ما يتحدث عنه الكاتب هنا هو ذلك الجزء اللاواعي من العقل، والذي يمكن تسميته بالعقل الباطن، فهو مصدر لشقاء الإنسان أو سعادته، فإذا كان الجزء الواعي من العقل يقوم بإرسال الإشارات واستقبال الخبرات الجديدة والتفكير والتحليل والاستنتاج كوظائف أساسية للعقل فإن العقل الباطن يعمل على تخزين الذكريات وتنظيمها ويحرك المشاعر والعواطف ويبني العادات التي يتعود عليها الفرد وأستطيع القول بأنه يعمل خارج حدود مقدرة الإنسان ونطاق إدراكه.
لذلك ربما نجد أن كثيراً من مشاكلنا التي عجزنا عن حلها وخلدنا إلى النوم بعد تفكير طويل وشاق دونما جدوى، يطرأ حلها فجأة بعد أن نصحو من النوم وربما كان الحل سهلاً وأمام أعييننا ونستغرب حينها كيف أننا لم نفكر بتلك الفكرة ولم تخطر لنا على بال، وهذا يثبت أن لدينا تلك القوة الخارقة التي تظل تعمل على مدار الساعة وتتفاعل مع ما نملكه من خبرات وأدوات لتخرج خارج إطار العقل الواعي وتأتي بالحل الذي لم نفكر فيه إطلاقاً، ففي مثل هذه الحالات تنقلب الوظائف والمهام العقلية بين الوعي واللاوعي وبدلاً من قيام الجزء الواعي من العقل ببرمجة العقل الباطن ومنطَّقة الأشياء فإن العقل الباطن هنا أو الجزء اللاواعي هو من يقوم بإرسال الإشارات إلى الجزء الواعي حتى نتخلص من مشكلة ما.
ويمكن رؤية تأثير العقل الباطن على حياتنا اليومية، وفي أدق التفاصيل كمسألة التذكر والنسيان، فحين نحرص بشدة على تذكر أمر ما فإننا ننساه والعكس صحيح، ولأنه جزء غير واع فإنه يمكن التلاعب بالألفاظ لحل تلك المشكلة، فحين نريد تذكر أمر ما ونقول (سأكتب ذلك في ورقة لكي لا أنسى) فإننا بتلك الطريقة نحث العقل الباطن على النسيان في الواقع، فهو يستجيب حسب تلك الصور التي رسمناها عن حياتنا وعاداتنا وطرق تفكيرنا وطالما وضعنا مسألة النسيان في خارطة التفكير فبالتأكيد سوف ننسى، كما حدث معي حين نسيت حضور دورة لتطوير الذات كنت قد كتبتها على ورقة التقويم ووضعت لها رسالة تذكير عبر هاتفي المحمول فوجدت نفسي في ذلك اليوم على غير العادة أغفل عن قلب ورقة التقويم وفي الوقت الذي يدق فيه جرس التذكير في هاتفي كنت مستمتعاً بمشاهدة التلفاز ولم أقرأ رسالة التذكير. فهل يمكن القول بأن هذا أمر طبيعي؟.
الحقيقة لو أننا في هذه الجملة بين الأقواس (سأكتب ذلك في ورقة لكي لا أنسى) أقول لو أننا استبدلنا كلمة لكي لا أنسى بكلمة لكي أتذكر لساعدنا ذلك العقل على التذكر حتى وإن كنا وقتها مشتتين بين الكثير من الأعمال المتراكمة وجدولنا اليومي مزدحم بالكثير من الأمور التي علينا إنجازها، فكما أسلفت العقل الباطن ينحاز لطريقة التفكير وأسلوب الحياة الذي اعتدنا عليه وهو يتقبل تلك الإشارات التي يرسلها إليه العقل الواعي كما تعود أن يفكر ويمنطق الأشياء.
لذلك قال الكاتب البرازيلي باولو كويلو في روايته الشهيرة الخيميائي: «إذا رغبت في شيء فإن العالم كله يطاوعك لتحقيق رغبتك «. وهذه هي الوسيلة الحقيقية لتحقيق النجاح في أي أمر أو حلم نحلم به، فإن أردنا الفشل فلن نعدم من وجود واختلاق الأعذار لذلك الفشل وتبريره بصعوبة الحياة ومتطلباتها فنخلق حولنا دائرة من التذمر والعقبات والتحديات المستحيل تجاوزها مما يحفزنا على البقاء مكتوفي الأيدي لا نفعل أي شيء آخر عدا التذمر من هذه الحياة وصعوبتها وكيف أن لبعض الناس حظ جيد بينما حظنا سيئ جداً.
والعكس لو أن أننا رغبنا بتحقيق أمر ما ورغبنا بشدة في الوصول إليه، فهنا تعمل تلك القوة الخارقة في ذلك الجزء اللاواعي من العقل وتحفزنا على نبذ فكرة اليأس وعدم تقبل الفشل وطرد كافة الأفكار السلبية وبالتالي يزداد نشاط الجسم وتزداد معه قوة تركيز العقل ونؤمن أكثر بقدراتنا ونثق بأنفسنا وبالتالي نصبح قادرين على العمل أكثر وحل المشاكل الأكثر تعقيداً وتجاوز العقبات التي تواجهنا في طريق النجاح الواحدة تلو الأخرى، بل أن أنها تجعلنا نخلق من قصص الفشل التي تواجهنا محفزاً يجعلنا نتعلم أكثر لكي نتجاوز تلك الأخطاء التي جعلتنا نفشل، وهنا القوة تكمن القوة الخارقة التي تجعلنا نستلهم من فشلنا فنتجاوز الإحباط لأننا آمنا أن الفشل ليس نهاية الطريق وأنه مهما طال بنا الأمد فإننا سوف نصل أخيراً ونتذوق لذة النجاح.
وهنا أعود للكاتب أندرو ماثيوز الذي قال (إن ما يؤمن به عقلك الباطن هو ما تحصل عليه) وقد وصف عالم النفس الأمريكي وليام جيمس اكتشاف العقل الباطن بأنه أهم اكتشا ف تم التوصل إليه خلال المئة عام الماضية.
ودائماً حين نصغي لتلك القصص التي يرويها من حققوا النجاحات في حياتهم نجد وكأنهم يتفقون على فكرة واحدة هي إيمانهم بأنهم يوما ما سيحققون ما أرادوا فكان لهم ذلك، فالكثير من الأغنياء مثلاً كانوا يعانون من شدة الفقر ولكنهم لم يرضخوا لتلك الأفكار السلبية التي تبقيهم في إطار واحد لا يمكن الخروج منه وهو أنك فقير ولا تحظى بكثير من الحظ لتتجاوز وضعك المادي فتكون من الأثرياء وتتمتع بالحياة. وكذلك الحال بالنسبة للكاتب والعالم والطبيب والفنان وغيرهم ممن استطاعوا تحقيق مآربهم والوصول لأهدافهم التي رسموها في يوم ما وسعوا لتحقيقها رغم ما أحاط بهم من سرادق الفقر والعقبات والظروف البيئية والاجتماعية والتي كانت تشكل مستحيلاً يحول دون تحقيق تلك الأهداف في يوم من الأيام فتحولت إلى عوامل مساعدة وملهمة للوصول إلى أبعد مدى يمكن تصوره.
الأغرب من هذا كله هو أن ذلك الجزء اللاواعي من العقل البشري هو جزء غير ملموس كما قال الطبيب النفسي السويسري كارل يونج حين قال (يكمن جمال العقل الباطن اللاواعي في أنه حقيقة غير واع) هذا على الرغم من امتلاكه لكل تلك القوة الخارقة التي لم نستخدمها كما يجب حتى الآن.
عادل مبارك الدوسري - الرياض
aaa-am26@hotmail.com
تويتر: @AaaAm26