خيرية السقاف أديبة كبيرة, تملك قلما ملهما, يمطرعذوبة ورقة، يمطر تفاؤلا وأملا...
تشعر وأنت تقرأ مقالاتها بانجذاب كل حواسك إليها، فكل حاسة تريد أن تستمتع بهذا الأدب الرفيع!
ورغم كتابتها بشكل يومي في الصحافة السعودية إلا أنها تجاوزت النمطية للكاتب اليومي, الذي يعيش على الأحداث اليومية ويقتات عليها!
إن خيرية السقاف تتفرد عن غيرها من الكتاب والأدباء الذين سقطوا في كتاباتهم الصحفية عندما أصبحوا كتاب تقارير عن الأحداث اليومية فأصبحت لغتهم لغة صادر ووارد! ولا يعني هذا أن خيرية السقاف لم تكتب في الشأن الاجتماعي بل كتبت وغردت، لكن كان ذلك بأسلوبها الأدبي السامي الذي يذكرك بأسلوب عمالقة الأدب حيث اللغة الشعرية العذبة والبيان الساحر...
ولعل ما يميز خيرية السقاف في مقالاتها تلك اللغة الشعرية العذبة اللغة الحساسة التي كل حرف فيها ينبض بالحياة.
إن هذه اللغة الشعرية هي إحدى المفاصل المهمة في أسلوب خيرية السقاف وهي السمة الخاصة التي تميزها عن غيرها من كتاب المقالة في الصحافة السعودية المعاصرة.
هذه الشعرية في كتابات خيرية السقاف ليست مجرد كلمات إنشائية رقيقة، بل هي لغة مشرقة تسقيها بحبر من أعماق روحها وتكسوها بفيض نوراني مدهش.
قد يكون لثرائها اللغوي دور كبير في هذا، فقارئ مقالتها يلمح بوضوح توالد المفردات وكأنها غيمة تهطل بغزارة.
ورغم أسلوبها الذي يقوم على الجمل القصيرة المتناثرة كحبات اللؤلؤ إلا أننا لانلحظ ذلك التكلف والعناء في الانتقاء!
فهي أديبة أكبر من أن تنتقي كلماتها وعباراتها فهي تهطل بغزارة.. فكيف تنتقي من حبات المطر؟
إن أسلوب خيرية السقاف في مقالتها ومافيها من شفافية ورقة بدرجة لافتة مع ميل إلى اللغة الشعرية يذكرنا بالرومانسية! لكنها ليست الرومانسية القديمة التي تكتفي بالبكاء ونفث الزفرات والعبرات إنها تجاوزت تلك الرومانسية بكثير! خصوصا عندما تسقي موضوعاتها بجرعات إيمانية مفعمة بالتفاؤل والأمل، ولهذا السبب صنعت جوا من التفاعل الحميمي مع قرائها! حتى أنهم أصبحوا لايستغنون عن مقالاتها.. فهم يعرفون أن خيرية السقاف لا تكتب للإنسان فقط ! إنها تكتب لروحه العطشى و تهمس في وجدانه بكل شاعرية.
إن خيرية السقاف تنسج علاقة روحية مدهشة بينها وبين قرائها لأنها أعلم بجراحهم فهي منهم وفيهم.
أما مضمون مقالاتها وطرحها فهي دائماً ما تسلط الضوء على روح الإنسان ومشاعره من خلال القيم التي تسمو بها روحه وتزكي بها نفسه..
لقد شكلت القيم الإنسانية الحيز الأكبر في مقالات خيرية السقاف فلا تكاد تخلو مقالة من مقالاتها إلا وهي تتوشح بالقيم النبيلة سواء كان ذلك بأسلوب مباشر أو بين سطورها.
ومن اللافت في مقالاتها صراعها مع طغيان القيم الاستهلاكية التي صاحبت الحضارة المادية على حساب القيم الإنسانية.
ومن تأمل في مقالات خيرية السقاف يجد أنها امرأة نبيلة فهي على سبيل المثال :لا تتحدث عن القيم السلبية,كالغش والخداع والكذب والأنانية و... حتى لا تضغط على ذهن القارئ ! لذلك هي تتجلى في مقالاتها عندما تحلق بالقارئ في أجواء التفاؤل والأمل والبذل والصدق والإيثار والتسامح...
إن خيرية السقاف لا تكتفي برصد تحولات الإنسان القيمية وما طرأ عليها من تشوهات كبيرة بسبب الصراعات المادية الكبيرة فحسب بل تقدم الجرعات الإيمانية والروحية التي تساهم في إنقاذه.
ومن نبل خيرية السقاف أنها رفضت السائد بين كتاب الأعمدة الصحفية فلا مجال لتلون قلمها أو البحث عن مصالحها الشخصية والانتهازية!.
ومع أنها عاصرت الكثير من التيارات الأدبية والفكرية ,إلا أنها لم تدخل في صراع مع أحد, وهذا نتاج عمقها الفكري وسلامة صدرها ونقاء قلبها.
لذلك هي كاتبة النقاء والطهر...
ورغم ما تعانيه خيرية السقاف من الألم, خصوصاً في الآونة الأخيرة إلا أنها تكتب بكل أمل! إنه الأمل الذي يفوح عبيره من مقالاتها.
وتبقى خيرية السقاف الكاتبة الوحيدة في صحافتنا فيما أعلم التي أحيت فن المقالة في زمننا هذا وذكرتنا برواد ذلك الفن.
إن القارئ من خلال قراءة مقالاتها، يستطيع أن يتعرف على السمات الفكرية والروحية التي تشكل أولويات الحياة لديها وما يسيطر على كتاباتها من هاجس طالما أرقها! وهو هاجس بناء القيم في نفوس الناس والحفاظ عليها في ظل الصراع مع القيم المادية.
خيرية السقاف كاتبة عظيمة وهبت حياتها للإبداع الأدبي الذي يتجلى في قلمها بحبر من النور!
ومن يقرأ ما بين سطورها يكتشف امرأة متمسكة بدينها وثقافة أمتها كما يكتشف امرأة زاهدة رغم غناها وأسرتها العريقة...
عابدة في مصلاها... رغم كل المغريات في الوسط الإعلامي والثقافي!
راشد بن محمد الشعلان - مشرف تربوي بتعليم الرياض - الرياض
rashedsh75@gmal.com