في هذه الحلقة الثالثة من المقالة عن «جيرترود بيل» في فيلم سينمائي أمريكي، فقد وردت فكرة الفيلم ومعلومات عن شخصيتها من الشركة الأمريكية المنتجة، ورغبتها في أن يكون للعراق ممثلاً بوزارة ثقافته دور في صياغة هذا الفيلم، ولا أقول صناعته؛ لأن صناعته أمريكية محضة لافتقار العراق لمقومات الإنتاج السينمائي النظامي. كنا في حلقتين نناقش الرسالة التي وردت من الشركة الأمريكية المنتجة للفيلم إلى وزارة الثقافة العراقية، تطلب فيها الرأي وتوفير ما لديها من الوثائق عن هذه الشخصية البريطانية، ودورها المتميز في تاريخ العراق الحديث عند تأسيس الدولة العراقية المعاصرة بعد اتفاقية سايس بيكو. نجد هنا في هذه الحلقة معلومات عن شخصية جيرترود بيل كما ذكرتها الرسالة التي لم ترد عليها وزارة الثقافة العراقية، فيما كان العام 2014 موعداً لإنجاز الفيلم السينمائي الكبير، المعنون بـ»رسائل من بغداد».
جاء في الرسالة:
«جيرترود بيل (1868 - 1926) غادرت الحدود الإنجليزية باحثة عن الاستقلال، وتعلقت بالعالم القديم وقبائل الصحراء. اكتشفت تعلقها بالآثار القديمة، وأصبحت تتكلم العربية بطلاقة، وكونت علاقات قوية مع قادة العديد من القبائل؛ ما أدى ذلك لتفهم أكثر عمقاً للعلاقات الداخلية الصعبة، واحترام متبادل لسكان المنطقة. انتقلت (بيل) إلى بغداد كضابط حرب، وأصبحت إحدى النساء ذات النفوذ في الإمبراطورية البريطانية. وساعدت (بيل) في رسم حدود العراق بتنصيب أول حاكم ملكي، وتأسيس متحف بغداد للإنتيكات، الذي أصبحت مديرة فخرية له. بعد انحسار السلطة السياسية عادت لهوايتها الأولى (الآثار)، وكتبت قانون التحف لعام 1925 التي أسست الخطوط الرئيسية لتوزيع التحف بين مؤسسات التنقيب الأجنبية والعراق، وحصلت على بناية في بغداد لإيواء آلاف التحف. وكانت بيل مشغولة بأهم المواقع الأثرية في المنطقة، أهمها بابل، أور، آشور وسامراء. وأكدت أن الآثار والقطع الأثرية هي إرث ثمين للعراق والعالم. باختصار، هذه هي المسيرة الذاتية لـ (جيرترود بيل) معتمدةً على معلوماتكم والأرشيف. نأمل أن نستمع لوجهة نظركم لدورها، ونرجو أن نتلافى النقاشات التي لا تخدم تاريخ العراق متلافياً في نفس الوقت النهج الرومانسي الخالص. وهذا معتمد على معتقد بأن كل شخص له سلطة أو نفوذ في بلد معين في وقت محدد هو جزء من تاريخ ذلك البلد، ويحب أن يعامَل على هذا الأساس. وعلاوة على ذلك، نأمل بأن تكون قصتها أسفرت عن معرفة حقيقية لحياتها ودورها في الزمان والمكان المحدد؛ وبالتالي نستطيع سوياً مع الباحثين العراقيين تحليل آثار ونتائج دورها. وبالأساس نود أن نتعلم ونستخلص الآراء مع الشركاء العراقيين معتمدةً على حقائق بدون تأثيرات الأطراف السياسية والمتحيزة.
إن سلب المتحف إبان الاجتياح الأمريكي للعراق في عام 2003 والعمليات الجارية على إعادة إعماره قد يكون فرصة مناسبة لإلقاء الضوء على وضعه الحالي».
انتهى مقطع التعريف بشخصية بيل حسب رسالة المخرج.
رسائل كثيرة داخل هذه الرسالة التي تنم عن حرص على تجسيد شخصية مهمة في تاريخ العراق والمنطقة، هي شخصية (مسز بيل). وأكد المخرج أهمية تلافي النقاشات التي لا تخدم تاريخ العراق، بمعنى أن يترك النقاش كي يتسم عمله بالموضوعية بعيداً عن الكلام الإنشائي. والأهم أنه طالما أن «مسز بيل» كانت موجودة في العراق، وهي فكرة ذات نهج توثيقي وتحليلي، فإنها أصبحت جزءاً من تاريخ العراق. أي شخص في أي بلد، ولاسيما في بلداننا التي رزحت تحت نير الاستعمار. فإن وجود الأشخاص أو حتى القواعد العسكرية يجعلهم موضوعياً جزءاً من تاريخ البلاد. وهنا تأتي أهمية المعالجة السينمائية ذات النكهة الموضوعية.
إن الحرص الشديد في رسالة طلب الحوار مع وزارة الثقافة العراقية هو موقف سوف يسجل للمخرج عند إنجاز الفيلم الذي حدد عام 2014 موعداً لاكتماله. والمفروض أن الفيلم قد أُنجز، وبالتأكيد سوف يعرض هذا العام. وأنا شخصياً متشوق لمشاهدته.
وزارة الثقافة العراقية لم ترد على الرسالة، ولو كانت الرسالة قد قُرئت باهتمام لساعد ذلك في إنقاذ الأرشيف المطمور تحت الأنقاض وقطع السقف الكونكريتية، ولربما وجدوا في تلك الأفلام المصورة مشاهد في الجريدة السينمائية وثائقياً، مع معرفتي بوجود مشاهد روائية عن تلك الشخصية.
مسز بيل لها دور في تأسيس العراق الحديث، ولها دور في تأسيس المتحف العراقي، مع أنها نقلت بعض القطع الأثرية الكبيرة للمتحف البريطاني، نقلتها من الموصل، ولو كانت لم تنقل وهي الآن في مدينة الموصل لأصبحت فتاتاً من الرمل تحت رحمة قوات دولة الخلافة الإسلامية.
المفروض أن الفيلم أُنجز، وسيكون بنظرة ذات جانب أحادي؛ لأن وزارة الثقافة العراقية لم ترد على الرسالة.
تساءلت مع نفسي: ماذا لو ردت وزارة الثقافة العراقية على الرسالة، وجاء الوفد السينمائي الأمريكي إلى بغداد؛ ليطلع على الأرشيف السينمائي المصور منذ تأسيس الدولة العراقية حتى اليوم، فيجده تحت الأنقاض؟ ماذا سيحصل لو لم أنقذه أنا بعد أن كان نائماً تحت الصخور على مدى ثماني سنوات؟ فقط تمكنت من استخراجه وهو بمئات الكيلوجرامات، ونقلته إلى بناية فيها سقف فحسب؛ حتى أنقذه من الأمطار والبرد شتاء ودرجة الحرارة التي تصل للخمسين صيفاً، فيما ينبغي أن يحفظ في درجة حرارة ثابتة، هي تسعة عشر في المائة! يا إلهي، ماذا لو ردت وزارة الثقافة العراقية على الرسالة إيجاباً، وجاء الوفد إلى بغداد كي يطلع على تاريخ العراق المصور!؟
- هولندا
k.h.sununu@gmail.com